Abbas Aroua: Non Violence is the Response to Hate Cartoons
في مواجهة رسوم الكراهية لا سبيل إلا اللاعنف
عرفت الأيام القليلة الماضية عودة التوتّر بين العالم الإسلامي والغرب حول التضارب الظاهر بين حرية التعبير واحترام الرموز الدينية. وقد كان أملنا أنّ رسوم “وجه محمّد” الكاريكاتورية البائسة التي نشرتها يوم 30 سبتمبر 2006 يومية “يلاندس بوستن” الدانماركية، وردود الفعل العنيفة التي عرفتها بعض المدن في العالم الإسلامي قد ساعد على التفكير في المخاطر التي تهدّد السلم في العالم من جرّاء الاستفزاز وردّ الفعل العنيف تجاهه. وجاءت الكيفية اللاعنفية التي عولج بها استفزاز فيلم “فتنة” الذي نشره على الانترنيت يوم 27 مارس 2008 السياسي الدانماركي المنتمي إلى أقصى اليمين جيرت فيلدر لتعزّز أملنا. غير أنّ نشر فيلم “براءة المسلمين” على شبكة الانترنيت في بداية هذا الشهر ونشر الأسبوعية الفرنسية “شارلي-هبدو” يوم 19 سبتمبر 2012 لرسوم مهينة لصورة نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وسلّم والغضب الذي أحدثته هذه الرسوم لدى الجماهير ومظاهر العنف التي أعقبت نشرها في بعض الدول الإسلامية، يشير للأسف أنّه لم يُستفد من الدرس السابق.
يمكن تصنيف الاتجاهات السلوكية والسلوكات في الغرب حيال الإسلام والتي يتمّ إدراكها سلبيًا في العالم الإسلامي إلى سبع فئات:
1) نقد الإسلام، أي مساءلة القيم الإسلامية وتقييمها بناء على مرجعية غربية. وينجم ذلك عن الوعي أو الإحساس بتضارب (حقيقي أو وهمي) بين القيم الأوروبية والقيم الإسلامية. فيُعتبر هذا إذن نقدًا فكريًا عقلانيًا، وتدخل هذه الفئة في خانة المنهجية؛
2) معاداة ما يسمى بالإسلاموية أو الإسلام السياسي، أي معارضة تدخّل الإسلام (والدين بشكل عام) في الشأن السياسي، وتدخل هذه الفئة في خانة علم السياسة؛
3) معاداة الإسلام، أي رفض الدين الإسلامي بناء على منطلقات عقدية دينية، وتدخل هذه الفئة في خانة علم الأديان؛
4) رهاب الإسلام أو الإسلاموفوبيا، وهو الخوف من الإسلام والمسلمين والأحكام المسبقة غير العقلانية تجاههم، وينجم ذلك أساسًا عن الجهل بالآخر وقلّة التواصل وضعف التعارف وأيضًا إلى “جروح جماعية” حديثة وقديمة أُهملت فلم تندمل، وتدخل هذه الفئة في خانة علم النفس؛
5) العنصرية تجاه الإسلام، حيث يُنظر إلى المسلمين في الغرب كـ”عرق” أجنبي دخيل وغزوي يهدّد هوية ورفاهية السكان الأصليين ويبرّر تمييزهم بل وحتى اضطهادهم، وتدخل هذه الفئة في خانة الأيديولوجيا؛
وأحسن مقاربة بالنسبة لهذه الفئات الخمسة هي الحوار الفكري أو السياسي أو الديني، والتبادل من أجل تبديد المخاوف. لكن هناك فئتان أخريان قد تكون مقاربة الحوار والتبادل حيالهما غير ناجعة.
6) استفزاز المسلمين، وهو اتجاه سلوكي فاسد وسلوك عدواني مجّاني تجاه المسلمين، وتدخل هذه الفئة في خانة علم الأمراض. والعلاج الوحيد لهذه الحالة هو التجاهل؛
7) التلاعب بالمسلمين، أي الحث الخبيث والانتهازي لما يسمّى بالعنف الإسلامي خدمةً لغايات فردية أو جماعية، سياسية أو اقتصادية، وتدخل هذه الفئة في خانة الاستراتيجية. وأحسن مقاربة في هذه الحالة هي التجاهل أو ردّ الفعل اللاعنفي، لأنّ أيّ قدر من العنف من شأنه أن يعزّز المحرّضين في استراتيجيتهم.
ويدخل فيلم “براءة المسلمين” ورسوم “شارلي-هبدو” في هذه الفئة الأخيرة، وإن حاول أصحابها تسويقها على أنها مساهمات ضرورية للدفاع عن حرية الفن وحرية التعبير. فقد لاحظ عدد من المحلّلين السياسيين أنّ رسوم”شارلي-هبدو” تتبع منظقًا انتهازيًا تجاريًا بحتًا يهدف إلى رفع مبيعات الأسبوعية الفرنسية المتدنّي. بينما يخفي فيلم “براءة المسلمين” أغراضًا سياسيوية متعلّقة بالحملة الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكيبة والتوتّر الإسرائيلي الأمريكي تجاه الملفّ الإيراني، وكذا رغبة بعض الأطراف في ضرب الديناميكية التحرّرية التي انطلقت في العالم العربي منذ العام الماضي.
لقد تّم استنكار العنف الذي تبع نشر الفيلم، وخاصة الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي وقتل دبلوماسيين، على نطاق واسع في العالم وفي العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص. كما تمّ استنكار العنف الموجّه من طرف أصحاب الفيلم إلى الملايين من المسلمين في العالم. ففي البيان المشترك للممثّل السامي للاتحاد الأوروبي للسياسات الخارجية والأمن، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي والأمين العام لرابطة الدول العربية ومفوّض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن، الذي صدر بتاريخ 20 سبتمبر 2012، والذي امتنع إعلام الفتنة في الغرب عن الترويج له، تؤكّد المنظمات الإقليمية الأربعة أنها تشترك في “الألم النفسي الذي انتاب المسلمين جرّاء إنتاج الفيلم المسيء للإسلام”. كما لم يروّج إعلام الفتنة لتصريحات السيدة نافي بيلاي، المفوّض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتاريخ 14 سبتمبر 2012، التي تُعلن فيها أنّ “الفيلم مضمر للسوء ومستفزّ عن عمد وينقل صورة مشوّهة بشكل مشين عن المسلمين”، مضيفة: “إنني أتفهّم تمامًا ما جعل الناس يرغبون في الاحتجاج بقوّة ضدّ هذا الفيلم، ومن حقّهم أن يفعلوا ذلك بطريقة سلمية”. غير أنّ وزير الداخلية الفرنسي مانوال فالس رأى من المناسب تعليق هذا الحقّ ومنع المسلمين من التظاهر في المدن الفرنسية للحفاظ على النظام العام. وهذا الحظر من شأنه أن يصعّد من التوتّرات داخل المجتمع الفرنسي لأنّ مسلمي فرنسا لا يفهمون لماذا لم يلجأ وزير الداخلية أيضًا إلى تعليق حقّ نشر الرسوم حفاظًا على نفس النظام العام.
لا شكّ أنّ السجال بخصوص التوازن المنشود بين الدفاع عن حقّ التعبير واحترام الرموز الدينية، وبين حقّ النقد والحقّ في عدم التعرّض للإهانة، والحدود التي يتعيّن وضعها للفرز بين التعبير الفني والتعبير عن الكراهية لم ينته بعد. وقد وجد مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة صعوبة، بعد نقاشات دامت أشهرًا طويلة، في تمرير القرار 16/18 في شهر مارس 2011، الذي يطالب بأسلوب توافقي بعملٍ منسّق على المستوى الوطني والدولي بغرض عدم إساءة استعمال بعض الحقوق والحريات لتقويض حقوق وحريات أخرى. وفي النقاش الذي تغلب عليه في كثير من الأحيان العاطفة، ينسى الكثيرون أنّ القيم العليا التي لها الأسبقية على باقي القيم هي السلام وحرمة النفس البريئة. إنها القيم العليا التي تضع حدود مختلف الحقوق والحريات وتملي على الجميع الرفق في التعبير سواء بالكلمة أو بالممارسة.
لقد فهم أئمة الفتنة في الغرب كيف يستفزّون مشاعر المسلمين ويتلاعبون بها. وللأسف تسقط الجماهير في العالم الإسلامي كلّ مرّة في نفس الفخّ. لا بدّ أن نعي أنّ هذه الحملات الاستفزازية لن تتوقّف إلّا حين نسترجع عزّتنا وهيبتنا بين الأمم، ولن يتحقّق ذلك إلّا إذا تحرّر الإنسان العربي المسلم ونمت المجتمعات المسلمة على كافة الأصعدة. فالأحرى بنا أن ندّخر طاقاتنا لمعركة التحرير والتنمية وأن نوظّف مشاعرنا الجيّاشة للتصدّي للظلم في أوطاننا عوض أن نسخّرها في فِتنٍ يُراد لنا أن ننجرّ إليها بمناسبة مباراة كرة قدم أو نشر رسومات تافهة أو أفلام منحطّة لا ترقى أصلًا إلى مرتبة العمل الفنّي.
عباس عروة
24 سبتمبر 2012