رياح التغيير: تحدي الحداثة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

رياح التغيير: تحدي الحداثة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تأليف: سايروس روحاني وبهروز ثابت
London: Saqi Books, 2019

تأليف: سايروس روحاني وبهروز ثابت
London: Saqi Books, 2019

عانت منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من اضطرابات كثيرة في العصر الحديث، وخاصة منذ فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومن ثَمّ مع الربيع العربي.

رياح التغيير وضعت في الواجهة إشكالية تحدي الحداثة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مبرزة تعقد التحديات التي تواجه المنطقة؛ إذ تفرض حتمية التوصل إلى مخرج وضرورة معالجة مجموعة متنوعة من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية لمواءمتها مع قضايا ملحّة كالديمقراطية والحداثة والعولمة.

ويبرز الموضوع الرئيسي للفصول الثلاثة الأولى من تأليف بهروز ثابت وسايروس روحاني وعبد الحميد الانصاري إشكاليات عميقة كالتعارض بين التقليديين والحداثيين، فيعتمد مقاربة “الصراع بين الأصوليين وأولئك الذين يريدون إدخال الإسلام في عصر الحداثة وقيمها” هو إحدى تجليات التعارض الكبير الذي نشأ من العلاقة العكرة بين عالم الإيمان المتغير مقابل العقل، والديمقراطية مقابل الثيوقراطية (الدولة الدينية)، والتكنولوجيا مقابل الثقافة.

ويسعي معهد برهان إلى “التأسيس على هذه الثنائيات المتلازمة كمنطلق للتوترات الجدلية التي تؤدي، حتمًا، إلى ظهور المزيد من الأنسقة الموحدة كإطار يمكنه أن يشكل حاضنة للتحول الاجتماعي “(ص 3)، انطلاقا من رؤية أن هذه المقاربة ستدفع بمزيد من الزخم نحو تشجيع الصحوة وتحويل المنطقة.

لمواجهة هذه التحديات يستكشف الكتاب المناهج الممكنة والمتاحة. فبدأ بالحاجة إلى التغيير الاجتماعي من منطلق أنه على الشرق الأوسط أن يكون قادرًا على احتواء ضغط الرؤية الدينية في عالم عصري وعملي، ليصل، وبشكل منهجي، إلى إعادة اكتشاف قيمه التقليدية دون “الارتهان أو العودة الدائمة إلى الهوس بالماضي”.

شهد القرن التاسع عشر بدايات الجذور الأولي لإرهاصات التغيير في شكل رد فعل مناهض للغرب والاستعمار والإمبريالية والرأسمالية الجامحة مع غياب مقترح حلّ بديل، خاصة أنه قد تم اختطاف الإسلام من قِبل الراديكاليين في طريقة تفسيرهم لدلالاته وقواعده، وهي تفسيرات متأثّرة بالنفوذ الواسع للرؤية النضالية والأيديولوجية الحصرية لطوائف معينة “. وهذا يعني أن المنطقة لا تزال بحاجة إلى تطوير أدوات للتكيّف مع النهضة العلمية والتكنولوجية ومع التغييرات التربوية والديمقراطية.

ولأن المنطقة لا توجد في حيّز فارغ، فتصوّر الحل لمشاكل شاملة يجب أن يكون شاملًا كذلك؛ خاصة أن فرضية المجتمع المعولم لم تعد حلمًا طوباويًا. ولذلك فإن العالم يحتاج إلى مؤسسات جديدة تحكم المجتمع من منطلق أن وحدانية البشرية محورية في منظومته القيمية. لبناء مثل هذا العالم الجديد، يمكن للإسلام، من خلال تاريخه الناصع في مجال التعايش السلمي بين الأديان والثقافات، أن يعطي أمثلة مفيدة للغاية. ولن يتسنى ذلك إلا عندما يكون الإسلام ذاته مستعدًا للتعامل مع نمط جديد من الحكم، لأن كافة الأنظمة الحالية للحكم، بما فيها الديموقراطية، تعاني من خلل وظيفي، غالبًا ما يغذّي خلافات دائمة بين مختلف المجموعات. ولذلك، يقترح المؤلفون أنّ الحل الوحيد قد يكمن في استحداث هيكل حكم عالمي مشترك والعمل معًا لإحلال السلام والمواجهة المشتركة للتحديات العالمية الكبيرة والملحّة مثل تغيّر المناخ.

يستنتج سعد سلوم من عمل مبادرات الحوار القاعدي الشعبي، من خلال حوار الشباب حول المواطنة والتنوع الديني في عراق ما بعد سيطرة الدولة الإسلامية، ثلاث توصيات هي في حد ذاتها بمثابة مقاربة في نهج منع العنف: ضرورة استمرار هياكل الحوار الاجتماعي؛ تعزيز عمليات المصالحة الاجتماعية؛ وإطلاق ورشات الإصلاحات السياسية. ويلاحظ المؤلف أنّ وجود وثائق غزيرة صادرة عن الأمم المتحدة والتي تم الاقتباس منها بشكل مكثف، لم يترك سوى مساحة محدودة لإمكانية إلقاء نظرة ثاقبة على دور المخرجات الذاتية في حوار الشباب الذي أشرف عليه هو نفسه. وبناء عليه، ينصح سلوم ممارسي تعزيز السلام أنه لا يجب أن تقتصر الحوارات الدينية على الزعماء الدينيين أو على الفاعلين في المستوي الثاني، بل يجب كذلك الاستثمار في الشباب على مستوى القاعدة. وهنا، يعتبر سلوم أنه يجب أن تستمر عملية المتابعة كل الوقت، بما في ذلك في وقت السلم، من أجل ترسيخ مقوّمات الممانعة في أوقات الأزمات وفي حالات نشوب الخلاف. وأخيرًا، وفي معرض مناقشته لوثائق الأمم المتحدة يعطي انطباعًا أن المؤلف يستشف علاقة بين الدين والعنف، وهي، في نظرنا، قد تكون قراءة مجحفة، إذ الأمر يتعلق، بالدرجة الاولى، أكثر منه بمسألة الحكامة في المنطقة من ارتباطه بمسألة الدين، وهذا ما يعترف به المؤلف في نهاية الفصل، عندما يدعو، وبإلحاح، إلى “تنفيذ الإصلاحات السياسية”.

من جهته، يبدي رامين جهانبيجلو أسفه على “غياب الفكر النقدي في منطقة الشرق الأوسط ” ويعتقد أن اللاعنف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “لديه مستقبل”، شرط أن يقرّر الفاعلون المدنيون في المنطقة ما إذا كانوا سيظلون “نخبًا متخصّصة في خدمة الوضع الراهن “أم يختاروا الارتقاء إلى مستوى واجبهم الأخلاقي والانخراط في صفوف المثقفين الناقدين (أو المستنيرين) (ص 85). ومع ذلك، يلاحظ المؤلف أنه لم يتمّ الاعتراف بما فيه الكفاية بالتضحيات الباهظة التي دفعها الجريؤون من المثقفين للمساهمة في دمقرطة المنطقة. وكانت من نتائج تلك التضحيات أنها بشّرت باندلاع الاحتجاجات السلمية على مدى العقد الماضي، بدءًا بالحركة الاحتجاجية الإيرانية سنة 2009 وعبورًا إلى “الموجة” الثانية التي اجتاحت العالم العربي عبر انتفاضات الجزائر والسودان والعراق ولبنان في 2019.

في مساهمته “دين السلام”، حاول الكاتب كريستوفر باك، في وقت مبكر، استنطاق نصوص إسلامية لاستخراج بعض “مبادئ الحكامة الرشيدة في الإسلام”. وبالنسبة له، قد يستخدم المسلمون، في “بحثهم عن نماذج قابلة لتطور الحكم الرشيد “، بعض المعرفة المنتجة في الغرب ولكن ذلك يجب أن يكون محصورًا في إطار “أخلاقيات الإسلام الحامية” و”السعي إلى التحرر من الأنظمة القمعية كمسعى إسلامي […] “. وإلا فإنهم يخاطرون بـتهديد “نسيج المجتمع الإسلامي ذاته”. وكأمثلة إسلامية ناصعة على ذلك، يذكر باك “دستور المدينة المنورة” ويستند إلى خطاب “الخليفة علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر” والي مصر، فيناقش مصادر الخطاب، مثيرًا الجدل حول تأليفه وتأكيد تواتره من قبل العديد من العلماء المسلمين قبل تحليل مفردات نصه. ومن خلال تحليل الخطاب إلى مالك الاشتر يستخلص الكاتب “مجموعة من مبادئ الحكم الرشيد، صيغت بلغة حديثة، تغطّي مجالات مختلفة مع التركيز على العديد من المبادئ”. ولا يكاد المؤلف يعترف بصدقية “الخطاب إلى مالك” باعتباره وثيقة توافقية حتى يثير مكامن محدوديته، ولا سيما من زاوية قراءة علماء السنة الذين لم يكونوا “مهيئين للاعتراف بشمولية سلطة هذا الخطاب الذي يعتبر مع ذلك “نموذجيا ككل وثيقة إسلامية مهمة” لارتباطها، بشكل وثيق، بالخليفة علي “الموقّر من قِبل السنة والشيعة على حدّ سواء”(ص 112-124).

في مساهمته “الخطابات التقليدية والإصلاحية المتعلقة بالنهضة الإسلامية”، يتحدث أرمين إشراغي عن حوار دائم بين “التقليديين والحداثيين في العالم الإسلامي حول تفسير الأسس الإسلامية للنصوص والتعامل مع تطورات الفقه في القرون الأولى للإسلام”. ويستشهد المؤلف بالآيات القرآنية التي يستخدمها الجانبان لدعم وجهات نظرهم ثم يقدّم المشهد الأيديولوجي المهيمن والذي يمتاز بالجدل بين التقليديين المتطرّفين وغرمائهم من الحداثيين المتعصّبين. وأدى هذا التجاذب إلى عدم إفساح المجال لفئة ثالثة: الإصلاحيون. ونتج عن هذا الخلط إرباك شديد يشير إليه المؤلف بين صفوف من يريدون خطًا وسطًا بين التقليديين والحداثيين، سعيًا إلى محاولة سدّ الفجوة بين التقليد والحداثة. كما يحاول إشراغي كذلك تفكيك ما يراه أسطورة العصر الذهبي الإسلامي، متداركًا إلى أن “أغلبية المسلمين هي التي ستقرر، على المدى الطويل، أيٍّ من الأساليب المختلفة تتوافق مع حياتهم وتكون الكفيلة بتأمين الرفاه وتحقّق لهم الغايات والاحتياجات الفعلية.”

ويلي ذلك محاولة من قِبل كريستوفر باك للتعريف بـ”المبادئ الاجتماعية الإسلامية” من خلال عملية بناء المشورة. يدعو المؤلف إلى تجذير الشريعة في الإطار الأخلاقي القائم على القرآن والقادر على ضمان إجماع كبير بين المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة. ولاستخراج أسمى أنماط المبادئ الأخلاقية من مبادئ القرآن، يرفض باك الانتقاء والاختيار الاعتباطي ويؤكد على “عملية تقوم على التحقّق الذاتي”، مما سيضفي على هذه المبادئ القوة المعيارية المطلوبة. وبعدها تُستخدم نفس المنهجية للتحقق مما إذا تمّ العمل بها كنهج من قِبل فرد أو جماعة إسلامية كانت أم غيرها. وبهذه الطريقة، يمكن للمسلمين صياغة أساس مبدئي لتصرفاتهم الخاصة. وبالمثل، “قد يتحدّى الآخرين لتقديم أساس مبدئي مماثل لأفعالهم”. ووجدت هذه المقاربة أصداء واعدة، حيث اعتمدت من قِبل منظمة ديوا في نيجيريا التي استحدثت دورة تسمى “الذكاء في التعامل مع الشريعة” تمّ تصميمها من أجل تقديم إطار عمل منهجي لقواعد ومبادئ الفقه الإسلامي.

من جهة أخرى، تتعامل نزيلة غنية مع القضية الشائكة لوضع المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشرح غنية، أولا، التناقض بين المعايير والمعاهدات الدولية التي تلتزم بها حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوانين الوطنية. ثم تتعرّض، ثانيا، للتضارب بين القوانين الوطنية ومجال تنفيذها. وتبرز، ثالثًا، “الفجوة الثقافية” بين القوانين المطبّقة ومكانة المرأة في المجتمع، قبل أن تنادي بضرورة المضي في “مشروع ثقافي” يفضي إلى “تغيير واستبدال الممارسات غير القانونية” (ص 138). تخلص غنية أنه بعد مرور أربعين عامًا على اتفاقية الأمم المتحدة ضد العنف ومحاربة كافة أنواع التمييز ضد النساء (سيداو)، يجب أن نعترف بأن تلك المحاولات (التي تمّ استدراجها من الأعلى إلى الأسفل من قبل النخبة) بهدف النهوض بوضع المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أظهرت حدودها. وتقدّم غنية مقترحا بديلًا يقوم على اعتماد مقاربة الانفاذ من الأسفل إلى الأعلى كنهج لبناء “ثقافة مضادة” شاملة، تعتمد التشاركية وقابلة للتملّك من قِبل المعنيين محليًا (ص 141). وترتكز هذه الاستراتيجية المقترحة من قِبل غنية على ثلاث دعائم. يجب أولًا الغوص، بعمق، في المصادر الثقافية للمنطقة من أجل إحياء وتعزيز الموارد التي تدعم التوافق البشري حول حقوق المرأة النابعة من الثقافة المحلية. ثانيًا، تحديد القوى المؤثرة والعمل على التواصل على نطاق واسع مع الأصوات المحلية التي تفهم واقع المجتمع وتحليل ديناميكيات السلطة التي تحظى بها القوى المقاومة للنهوض بحقوق المرأة. وثالثًا العمل على توسيع هذه الدائرة من الفاعلين المحليين المساندين للاعتراف بحقوق المرأة محليًا من أجل تعزيز التغيير الثقافي الناتج عن العقليات. وفي هذا الصدد، يمكن القول بأنّ نداء غنية مشجّع للغاية ويبتكر أساليب جديدة للارتقاء بحقوق المرأة. وربما هذا ما جعلها تصرّ على أنّ نموذجها ليس دعوة إلى “استثنائية ما” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولكنها مجرّد دفعة لإعادة النظر في اسم المبادرة وفي النهج لتجاوز عار الوضعية وتسهيل العمل، على المدى الطويل، للارتقاء بحقوق الإنسان للمرأة لتكون مسألة “أصيلة وذات حيوية” في المنطقة.

في مقاله عن “العقل في الإسلام: استرجاع الذات” (الفصل 10) يناقش إيان كلوج، عبر محورين، كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تتعافى من تدهورها الحضاري الطويل. فيعتبر أن النهضة تقتضي “تنقية الحضارة الإسلامية من التأثيرات الأجنبية وجميع أنواع الانحرافات التي تراكمت بمرور الوقت”. أما التحديث، فالغاية منه “تحديد ما هو الأفضل والأقوى في الثقافة إلى جانب ما هو الأضعف ومعالجته أو حتى، في بعض الحالات، التخلي عنه”. ويفضّل المؤلف النهج الحداثي، الذي بدأ في أواخر القرن التاسع عشر، قرن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. يصرّ كلوج على أن هذه العملية يجب أن تكون ذاتية لأن “الموارد الفكرية للتحديث هي داخل الإسلام نفسه.” ومع ذلك، يحاول “تحديد مكامن ذلك، حيث تتداخل المثل العليا للتنوير الأوروبي مع القرآن وأفكار الحداثيين المسلمين.” وهنا، يركز على الأفكار الكانتية ليخلص إلى أن “العالم الإسلامي لديه موارده الفلسفية الخاصة التي يبني عليها التنوير الإسلامي” وأن “هناك أرضية مشتركة كبيرة للتفاهم انطلاقًا من الكانتية، مرجعية ’التنوير‘ في المقام الأول والقرآن”. ويعتبر أن “هذه الأرضية المشتركة توفّر الأساس للتقارب المتبادل وإثراء كلّ من الغرب والفلسفات الإسلامية ووجهات النظر العالمية الأخرى من أجل المنفعة المشتركة” (ص 144-167).

مساهمة كريستوفر باك “كن عادلًا: الأخلاق القرآنية كمعايير للشريعة الإسلامية” هي استمرار لمساهمته السابقة، للتأكيد، مرة أخرى، على وجوب أن تحدّد المبادئ الإسلامية إطار الشريعة الإسلامية وأن تكون مستمدّة من القرآن الذي يؤمن به جميع المسلمين على أساس أنه “كلام الله الموحى به إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)”. لأن “الأخلاق القرآنية تخاطب الفرد والجماعة”، ويقترح باك أن “تطوّر الفضائل الإسلامية (المبنية على القرآن) في المجتمع الإسلامي لتكون الناظم الأسمى للأخلاق والمبادئ الاجتماعية والسياسة العامة”. وإذ يركز على مبدأ العدل القرآني الأعلى، فإنه يستخدمه كأداة لاختبار موقف الشريعة الإسلامية في حالات محدّدة كالردة مثلا. وهنا، يشير المؤلف إلى ما يعتبره تناقضًا واضحَا بين موقف الشريعة من الردّة والضمانات الإسلامية لـ”حرية الدين”، تأسيسًا على الآية القرآنية “لا إكراه في الدين”. ومع ذلك، يلاحظ تطورًا في التعامل مع هذه القضية في العالم الإسلامي، وخاصة في جامعة الأزهر التي تلتزم بفكرة أن الشريعة الإسلامية والتقاليد التي تقوم عليها يجب أن تكون، في نهاية المطاف، على علاقة مع مبادئ إسلامية واضحة”.

ويساهم بهروز ثابت بنقد واسع النطاق “للتعليم في الشرق الأوسط” عبر استطلاعات رأي مثيرة للاهتمام في علم النفس والفلسفة. ويسلط الضوء على الانقسام الذي يواجه المنطقة بين السلطات الدينية التي تريد فرض نهج عقائدي وضرورة العمل على ترسيخ نظام علمي قائم على الحقائق ويخدم التنمية. كما يقدّم ملاحظات جيّدة حول انتشار العلوم الاجتماعية عبر التعليم والارتباط بين حقوق النساء ومستويات أعلى من التعليم والبطالة. ولكن مقال بهروز يبدو مختلًا إذ بدا الإفراط واضحًا في الاعتماد على أمثلة من إيران حصرًا، بدلًا من المنطقة بشكلها الأوسع. كما أنها تفتقر إلى التوضيح عبر الرسوم البيانية التي يمكن أن تعزّز حججه.

وعن “العولمة والشرق الأوسط”، كتبت شهرزاد ثابت عن عدم مشاركة المنطقة في العولمة ورافعت بقوة من أجل مزيد من الانفتاح على الثقافات الأخرى. كما ذكّرت القارئ بالتناقض الناجم عن هذا الوضع بالمقارنة مع الفترات المجيدة السابقة للحضارة الإسلامية. وتفترض أن السبب في ذلك هو انعكاسات الحكم الاستعماري ورفض الشعوب الخضوع للمادية المقترنة بذلك الحكم. وفي النهاية، تقدّم حججا قوية توضّح الحاجة إلى التجديد الروحي وتعزيز القيم لتحقيق التوازن بين العالمية والخصوصية لتخلص إلى أن الاتصال والتنوع يمكن لهم السير جنبًا إلى جنب.

أمّا آرثر ليون داهل فيتناول “البيئة والاستدامة في الشرق الأوسط” مع تسليط الضوء على غياب النماذج لمعالجة رفاهية الإنسان بالاعتماد على الحاجات الاقتصادية البسيطة الضرورية للازدهار، مركزًا على سوء معاملة البيئة. كما يشير إلى خطورة الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للدخل في العديد من البلدان وانعكاساته الكارثية على منطقة تعاني بالفعل من سوء إدارة استغلال وتسيير استهلاك المياه مع تزايد السكان وسوء الاستخدام وصيانة الأرض. كما يذكر داهل بجزء مفيد من تعاليم الإسلام في مجال البيئة، مستحضرًا نصوصًا من القرآن ويشجّع على المفهوم الديني للاستخلاف إلى جانب أهمية العدالة والتعليم الأفضل لإدارة هذه التحديات بشكل أفضل.

أخيرًا، تحت عنوان “التواصل إلكترونيًا مع المنتدى العام خلال الربيع العربي”، تساهم ديبورا كلارك فانس بفصل مثير للاهتمام حول استخدام وسائل الإعلام خلال الحراكات الإيرانية والعربية منذ بداية الألفية فصاعدًا، مع التركيز على بلدان مختلفة طالها حراك الربيع العربي. كتبت المؤلفة، وبشكل جيّد وموجز، عن استخدام كل من الوسائط القائمة على الإنترنت والتقليدية (مع الإشارة إلى حالات منع خدمات الإنترنت للحدّ من إمكانيات الاتصال) لإحداث تغيير أنظمة قمعية تحت ضغط شعبي غير عادي. ولم يحط الكتاب بجميع التجارب إذ انه كان ربما تحت الطبع عندما اندلعت احتجاجات 2019 السلمية في كلّ من السودان والجزائر والعراق ولبنان. لكن فحص مماثل لدور Facebook Live و YouTube Live و Instagram وآثار تطبيقات WhatsApp و Telegram في تلك الحراكات كانت ستكون مفيدة للغاية.

يعزز الكتاب جوانب “الحوكمة العالمية المشتركة” بطريقة مثالية إلى حدّ ما، بافتراض مثل هذا النهج على ضوء التقنيات الجديدة وافتراض العالم المنكمش. وضعف من هذه الحجة أن التقنيات الجديدة خلقت عالمًا حيث الناس أقرب إلى بعضهم البعض في العالم الافتراضي وعبر الوسائل التكنولوجية لكنهم، في الحقيقة، يفتقرون إلى التقارب ثقافيا. والحقيقة أنّ وسائل الاتصال الجديدة قد فاقمت الفردية واحتمال وضع الناس في موقف دائم للمواجهة لتحقيق أحلامهم وتبليغ وجهات نظرهم للعالم. كما أن المؤلف لا يعالج الاستقطاب الحالي في المجتمع بين الناس الذين يريدون عالما جديدًا لمواجهة تغيير المناخ وعدم المساواة وأولئك الذين يرون الحل في انتخاب مرشحي اليمين الشعبوي المتطرّف.

بالإضافة إلى ذلك، تظل العديد من الحجج محدودة في الانقسام الثنائي السائد في المشهد الإسلامي: الإسلام الراديكالي مقابل المعتدل. فهي لا توفر ما يكفي من فضاء يميز بين أشكال التطرّف وغير قادرة على عرض الآراء المختلفة بجوانبها المفصّلة، فعدد من المساهمين يخلطون مثلًا بين المتطرفين والراديكاليين ويربطون، دون تمييز، بين التطرّف والعنف فيقعون في عدم دقة منهجية شائعة في الكثير من الأدبيات الحالية.

ومع ذلك، فإن الكتاب يشكل مساهمة جديرة بالاهتمام والترحيب، قد يثري المناقشات الجارية حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن شأن توسيع محتوياته أن يعطي المواد الكافية للتفكير والنقاش حول كيفية المضي قدمًا نحو تحليل أدقّ لواقع هذا الجزء المضطرب – ولكنه ديناميكي – من العالم.

Share this post