مداخلة هيثم مناع

مداخلة هيثم مناع

الجمعيات الإنسانية والخيرية في العالم العربي: الضرورة والإمكانيات

لم يشكل موضوع أهمية الجمعيات الإنسانية والخيرية في يوم من الأيام مادة نقاش في بلدان تأصلت فيها ثقافة عمل الخير (فمن تطوع خيرا فهو خير له). ويجمع العمل الخيري في التراث الشعبي والديني مفاهيم أساسية أولها الواجب والعبادة والفرض. كما أنه من مقومات الدفاع الذاتي للجماعات البشرية في وجه المصائب والنوائب وعاديات الزمن.

من المعروف أنه منذ سني الإسلام الأولى، نشأ الوقف باعتباره أهم أشكال حق التضامن المتأصل في الثقافة الإسلامية وتأسست الأوقاف الخاصة جنبا إلى جنب مع الأوقاف الرسمية، وكان الوقف الخاص خارج قوانين الاستبداد التاريخية بكل أشكالها وصورها، حيث لا تصرّف فيه ولا بيع ولا مصادرة.

هكذا ضعفت الحكومات زمنا وقويت في أزمان أخرى وكان هناك ثوابت تتعلق بحق التعليم والصحة وأماكن العبادة ونجدة المستضعف تكفلت بها المؤسسات الأهلية غير الحكومية, فعمت المدارس وأقيمت المراكز الطبية للتعليم والعلاج، وانتشرت المكتبات العامة والخاصة، ونشأت أشكال متعددة لحماية ومساعدة المسافر والعاطل وطالب العلم بل ومساعدة الحيوانات.

بذلك كان عمل الخير وسيلة أساسية لنشر العلم ومقاومة الفاقة والمرض وتأهيل الناس وتعزيز التضامن في المجتمع وتقوية تماسكه وسلامه الأهلي. وقد تأصلت في الثقافة العربية أو/و الإسلامية هذه المبادئ مما جعل منها مسلمات لم تتأثر إلا في ظروف جد استثنائية وتجارب محدودة حالت دون دور مركزي لها في الحياة المجتمعية.

 كان لا بد من هذه اللفتة السريعة للتذكير بأن فكرة الفضاء غير الحكومي قد سبقت فكرة المجتمع البرجوازي المدني الأوربية، وشكلت قاسما مشتركا عالميا للحضارات الكبرى قبل الرأسمالية. وبهذا المعنى، كانت من عناصر حماية المجتمع في كل الأزمان من تعسف السلطة أو إهمالها أو غيابها. ولم تمر فكرة التنوير الغربية دون التأكيد على هذا الفضاء الأساسي الذي اعتبر البنية التحتية الضرورية لعقلنة ممارسة السلطة وضمان مراقبة عامة لفصل السلطات وتعزيز دور المجتمع والأمة لضمان الحد الأدنى من حق التعبير عن النفس والمشاركة في الحياة العامة خارج تصور يوضع من فوق وبشكل مسبق، أو ما يمكن تسميته أنسنة المجتمع البشري ومقاومة العلاقة معه كقطيع من الرعايا.

كانت أولى التغييرات في سني عقود الخلافة العثمانية الأخيرة بضغط من أوربا، واستمرت في ظل حركات التحرر الوطني ضد أوربة المستعمرة، وفي الحالتين لم يشعر المجتمع بكامل الانتماء لما يدور حوله. وعندما جاءت الدولة العربية ما بعد الاستعمارية للحكم، انتزعت في معظم الأمثلة، الهامش الذي امتلكه المواطن في فترة الانتقال التاريخية هذه. فبدأت عملية مصادرة الأوقاف الخاصة التاريخية والجمعيات الأهلية الجديدة كلاهما، وذلك بهدف تعزيز ما سمي المنظمات الشعبية أو غير ذلك. وحتى في الدول غير المصابة بعدوى الإيديولوجيات المغلقة الحديثة، كانت السلطة غيورة وحريصة على امتلاك الهامش الكامل للعمل العام. ولعل “معجزة” أفغانستان، قد لعبت في المملكة العربية السعودية، دور الناقل الأساسي لظاهرة الجمعيات الإنسانية والخيرية من مجرد ظاهرة محلية تحت الرقابة والرصد الحكوميين إلى ظاهرة أهلية بكل معنى الكلمة تدعم حقها في الوجود القوي الدولة والجهاز الديني والولايات المتحدة بآن معا. فلأسباب سياسية وعقائدية واضحة، أدركت الإدارة الأمريكية أن مواجهة الخطر السوفييتي واحتلاله لأفغانستان يتطلب توسيع نظرة جان فوستر دالاس في كتابه “حرب أو سلام” الذي اقترح فيه مواجهة الشيوعية بالتبشيريات المسيحية لتشمل الإسلام خاصة في التجربة الأفغانية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية. وقد سمح تحالف المصالح بتسهيلات مشتركة وتعاون كبير بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ونال المجتمع الأهلي في هذه الفترة فرصة للتعبير عن نفسه بهامش هام مادام الغرض دعم هذه الاستراتيجية المشتركة. إلا أن المجتمع تذوق طعم العمل المستقل والتنظيم التطوعي والتعاضد والتعاون وراء الحدود وتدعيم فكرة التضامن والبر والإحسان. وبذلك، اتسعت ظاهرة المنظمات الخيرية والإنسانية لتشمل بلدان عديدة في كل القارات ومسائل تبدأ بالنجدة في الحروب وتنتهي في بناء المدارس والمشافي والمساجد.

ولعل السبب في هذا النجاح، كون الجمعيات الخيرية والإنسانية قد زرعت جذورها في الوعي الجماعي عبر قرون طويلة، الأمر الذي جعل تغيير قوانين الجمعيات مسألة شكلية أمام تقاليد التعاون والإحسان والتضامن والمساعدة في التاريخ العربي الإسلامي، التي أصبحت في الثقافة الشعبية، ليس فقط ضرورة لاقتصاد العنف وتقليل حالات العوز وتخفيف مأساة الناس، وإنما واجب ديني بكل المعاني الإيمانية التي تعرفها المجتمعات الإسلامية على اختلافها. فسواء كان الترخيص لجمعية خيرية من وزارة الداخلية أو من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فإن الإحساس الأولي بضرورة العمل الخيري إحساس أخلاقي واعتقادي بضرورة هذا العمل ومن مهازل التاريخ أن يتم ضرب الجمعيات الإنسانية والخيرية بنشوء الأنموذج التسلطي للحكم الذي حمل إيديولوجيات تقدمية اعتبرت نفسها الوصية والحكم على الدولة والمجتمع وصاحبة الحلول السحرية كافة لمشكلاته. وقد تراجعت بشكل كبير في أشكال الدول “الحديثة” التي تركت التقاليد الجيدة في المجتمع العربي والسمات الجيدة في المجتمع الغربي، وهكذا وفي حقبة زمنية قصيرة، تراجع عدد المنظمات الأهلية في العالم العربي في وقت كانت المنظمات غير الحكومية تحقق ثورتها السلمية الهادئة على الصعيد العالمي. ومنعت جمعيات لحفظ الكتاب وتشغيل العجزة باسم ارتباطها بتيار سياسي معارض أو استعمالها من حزب ممنوع. وتم تأميم الأندية الثقافية والرياضية والنقابات. وأصبح تشكيل تجمع أهلي يعاقب عليه بالقوانين الاستثنائية. الأمر الذي حصر هذه الظاهرة في عدد كبير من الدول العربية بما يمكن تسميته دون تجن “بالجمعيات الحكومية و شبه الرسمية”.

إلا أن تفسخ منظومة الحزب الواحد والسلطة الشمولية، ووقوع حروب تحرير أو حروبا أهلية في عدد من الدول العربية والإسلامية أعاد الاعتبار والحاجة للمنظمات الإنسانية والخيرية. ومن الملاحظ أنه بمجرد وجود هامش محدود في قوانين الجمعيات وحرية التجمع كقانون ديسمبر 1990 في الجزائر أو انهيار مؤسسات الدولة التنفيذية في العراق في 2003 تعود فكرة الجمعيات غير الحكومية للنمو بشكل متسارع. كذلك استطاعت التجربة الفلسطينية في المنفى أن تشكل دعما كبيرا للصمود الفلسطيني في المخيمات وتحت الاحتلال، ونجحت الجمعيات الأهلية في فلسطين في حفظ تماسك النسيج المجتمعي والوعي الوطني والمواطني في الظروف اللا إنسانية للاحتلال.

إذا كانت معظم الجمعيات الإنسانية الخليجية المنشأ قد اتخذت طابعا إسلاميا، إلا أن هناك فارقا كبيرا فيما بينها سواء كان ذلك على صعيد طبيعة العلاقة مع المؤسسة الرسمية كهيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، أو بالعلاقة مع الحركة الإسلامية السياسية أو الحركة السلفية، وأخيرا في العقدين الأخيرين، على صعيد ما يعرف بالحركة الجهادية.

تشكل الجمعيات الإنسانية والخيرية اليوم، الهياكل التنظيمية الوحيدة القادرة على التمويل الذاتي في العالمين العربية والإسلامي، وهي بوصفها كذلك، تشكل النواة الصلبة للحقوق المدنية والسلم الأهلي والتضامن المجتمعي وسد فجوات الدول والحكومات. وليس سرا أن نقول أن أكثر من تسعين بالمئة من مراكز حقوق الإنسان المهنية في العالم العربي تعيش من التمويل الخارجي وستموت بانقطاعه أو تتراجع بشكل كبير في حين أن معظم الجمعيات الخيرية والإنسانية قادر على العيش من إمكانياته الذاتية والاستمرار بدعم المحيط المجتمعي له.

لقد تمكنت المنظمات الإنسانية الإسلامية  من تعلّم دروس كبيرة من المنظمات الإنسانية العالمية والغربية، واستطاعت أن تغطي المناطق التي لم تهتم بها المنظمات الغربية أو المتأثرة بالمشهد الغربي. ورغم وجود عناصر نشطة لاتجاهات سياسية راديكالية في صفوف بعض هذه التنظيمات، إلا أنها تمتعت بمهنية عالية وأمانة قللت من حوادث الفساد والاستعمال السيئ للمال العام. الأمر الذي لم يشكل قاعدة عامة في أوساط الجمعيات الأهلية ذات الموارد الجيدة دينية كانت أم علمانية، و لا يغيب عنا، في نفس الوقت، وقوعها في المرض العالمي المسمى بالاحتواء: فلسمعتها وثقة المجتمع بها، صارت هدفا للعديد من الحركات السياسية المحظورة ومتنفسا للعديد من الأنظمة السياسية غير القادرة على تسويق بضاعتها السياسية.

من المعروف أن هذه الظاهرة موجودة في الغرب، وأن وزارات التعاون والخارجية في البلدان الشمالية تفبرك عند الحاجة منظمات حسب الطلب في وقت الحاجة أو الأزمات. ولكن الفارق، أنه في الدول الأوربية مثلا، حيث هناك مجتمعات مدنية قوية، تتعايش هذه الظاهرة مع الجمعيات غير الحكومية والمستقلة قولا وفعلا، في حين أن ضعف المجتمع المدني في بلدان الجنوب ينعكس بشكل قوي ومؤثر على ظاهرة الجمعيات الخيرية والإنسانية عند كل محاولة توظيف أو اقحام في المشاريع الحزبية أو السلطوية.

رغم نقاط الضعف العديدة التي نبصرها في البلدان الجنوبية، أصبحت الجمعيات الخيرية تشكل خطرا على الحكومات المحلية والتدخلات الخارجية القسرية بل وعلى النظرة الغربية للعمل الأهلي التي تتأثر بالرأي العام الغربي في تحديد أجندتها.

فرضت الإدارة الأمريكية مؤخرا شرطا على كل المنظمات غير الحكومية التي تنال مساعدة من مؤسسة أمريكية تتطلب التوقيع على تعهد بعدم التعامل مع أي مؤسسة تصنفها الإدارة الأمريكية إرهابية: بتعبير توضيحي، لا يحق للمنظمة الفلسطينية غير الحكومية الاتصال بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) للسؤال عن أسراها ومعتقليها، في حين لا ضير في أن تتصل بأي منظمة عنصرية متطرفة في إسرائيل؟ وهي تقوم اليوم بالتدخل مباشرة في أهم البلدان ذات التجارب الخيرية في الخليج. وفي كلمته أمام الكونغرس في 24 مارس 2004 يقول نائب رئيس الاف بي آي توماس هارينغتون:

“لقد اتخذت السعودية إجراءات أخرى لصالح الجهود المشتركة تجاه تمويل الإرهاب. فقد طورت وزارة العمل بيانات تحتوي على المعلومات المالية المتعلقة بجميع جمعياتها الخيرية، وتقوم بتجديد هذه البيانات بشكل ربع سنوي حسب المعلومات المستقاة من التقارير المالية المقدمة. هناك جهود قادمة لإدراج الجمعيات المرخص لها من قبل وزارة الشؤون الإسلامية ضمن هذه البيانات. بالإضافة لذلك، فإن وزارة العمل تقوم بالتدقيق على جميع المؤسسات الخيرية المرخصة وهذا يعني شمول مؤسساتها الخيرية المرخصة أيضا.

بدأ السعوديون بإنشاء نظام رسمي حكومي متعلق بتحويل الأموال من أجل المكافحة المباشرة للتحويلات المالية غير المرخصة مثل “حوالاس” والنظم المالية الأخرى غير الرسمية. تسمى التحويلات المرخصة “النقد السريع”، وهي متصلة ببنك تجاري، لذا فهي تخضع لجميع متطلبات البنك الأساسي. صرح ممثلو القطاع الخاص السعودي أن الخدمة كانت مفيدة في الأعمال، ويصرح المسؤولون السعوديون أنهم بدأوا بفرض إجراءات صارمة على التحويلات المالية غير المرخصة”.

 النزعة الشمولية هي النزعة الأسهل والأبسط والأفيد لكل الدكتاتوريات. والمطالبة بكل قيود حسابات الجمعيات والسجلات المالية التي تحتوي على الدفاتر العامة، السجلات العامة، الدفاتر والسجلات الفرعية، الفواتير وقيود الدخل، قسائم المبالغ النقدية وقيود النفقات، دفاتر وسجلات المبيعات والمشتريات، دفاتر حسابات الدخل والإنفاق، قيود الديون الهالكة، قيود كلفة السلع المباعة، دفاتر القروض المتلقاة والممنوحة، بيانات الدخل، بيانات الموازنة وكل صكوك الإنفاق بما فيها فواتير المبالغ مدفوعة نقداً، بيانات عن أهداف المنظمة وبرنامج الخدمات المقدمة، قوانينها وبنيتها التنظيمية . والبنية التنظيمية يجب أن تشمل تحديد الهيكلية والهرمية، بما في ذلك المكاتب في داخل البلاد وخارجها، إذا كان لها فروع، والعناوين و أرقام الهواتف ولائحة بالمستخدمين ومواقعهم وأي معلومات تعريفية أخرى. الهويات المفصلة، وثائق التعريف المرفقة الطلبات، قيود الدفع وكل الوثائق الأخرى المتعلقة بمتلقي الهبات أو القروض أو النفقات والمنح الدراسية والرواتب والمدفوعات الأخرى، المطالبة بكل هذا بحجة الحرب على الإرهاب يعني وضع الفضاء غير الحكومي في أرشفة المخابرات المركزية الأمريكية ومخابرات البلد الذي تنتمي إليه. وهي وسيلة تذكرنا بالمخابرات السوفييتية والستازي والأنموذج الشمولي البائد العائد بثياب مزخرفة بشعارات الليبرالية الأمريكية.

يجب أن لا نمل من التذكير بالأثر البناء لوجود أجسام وفضاءات غير حكومية في بلدان الجنوب والعالم الإسلامي. فمنذ تواجدت الجمعيات العربية والإسلامية بقوة أكبر، اختلفت طبيعة العلاقة مع الذات والآخر، واختلف مستوى الأداء. ونلاحظ اليوم أن أقل النفقات الإدارية في المنظمات الإسلامية لدوافع التقشف الديني، وهناك محاسبة صارمة في قضايا الفساد من المجتمع والناشطين، وهناك برامج تنافسية في العمل البحثي والتعليمي والصحي. وقد أدى وجود منظمات جنوبية بشكل واسع وتعدد مصادر المساعدات المالية لاستقلالية أكبر وتعزيز لفكرة مجتمع مدني على الصعيد العالمي وأصبحت المعادلة تقوم على ضرورة التفكير بشكل عالمي لا بشكل غربي. لأن نشطاء الجنوب يمتلكون مؤسساتهم ويرفضون أي علاقة إرغام أو هيمنة، ويطمحون لتعاون متكافئ قائم على الاحترام المتبادل والتكامل الضروري.

إن الهجمة التي تتعرض لها اليوم المنظمات الإنسانية الإسلامية والجنوبية، تفترض منا إعادة نظر وتقييم لتركيب ودور وأداء هذه المنظمات. فمن جهة، ليس هناك من معنى للمطالبة بتحييد هذه المنظمات في كل ما يتعلق بتصورها الخاص للعالم، فكل منظمة إنسانية في العالم ذات أهداف وبرنامج، وسواء كان اسمها “أطباء العالم” أو “النجدة الكاثوليكية” أو “المساعدة الإسلامية” فإن ما يجمع الأعضاء يشمل تصورا للعالم والمنظمة غير الحكومية ومفهوم التضامن وتصورات للعمل على الصعيد العالمي. الأمر الذي لا يبرر الزج في الصراعات المباشرة والتوظيف المبتذل أينما كان بلد المنشأ ومهما كانت دوافع النشأة. إلا أن الجمعيات الإنسانية والخيرية قد تجاوزت اليوم ، شاءت أم أبت، وعت ذلك أم لم تعيه، مهمتها الآنية لسد رمق عائلة أو تعليم يتيم أو تخفيف مآسي الحروب، لتصبح إحدى الضمانات المركزية للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم. والوسائل الأساسية لضمان تماسك النسيج المجتمعي في دول الجنوب. وبهذا المعنى، فهي لم تعد ملكا لبرنامج سياسي حزبي أو حكومة  بقدر ما هي ملكية عامة للمجتمع.

هذه المكانة المركزية المتزايدة طردا مع الضغط الخارجي والحاجة الداخلية، هي التي تجعلنا نطالب ببناء شبكات تواصل بين النخب الثقافية والمبادرات المجتمعية والمنظمات الحقوقية في طموح تحسين الأداء اعتمادا على الدراسات والمسوح الميدانية السوسيولوجية الممهدة لتقييم نقدي لتجربتها، الأمر الذي يسمح بتشريح المشكلات البنيوية والوظيفية من جهة، ويفسح المجال لتجاوز نقاط الضعف الحالية نحو الأفضل. أما أن يتم تناول الأزمة من فوق، من ذوي القبعات الرمادية، أي موظفي الحكومات غير المنتخبة، فنحن بصدد اغتيال النويات الأولى للفضاء غير الحكومي في العالم الإسلامي، وبهذا المعنى، نحن أمام ارتكاسة لأنموذج بيروقراطي أودى بمعسكر وارسو إلى خراب الدولة وتفتت المجتمعات، وسمح إزمانه في العراق بخسارة كل معايير الاستقلال الذاتي للإفراد والجماعات والدولة.

Share this post