أثار لغطا في المغرب الأقصى: مركز سويسري يُوفر فرصة نادرة للحوار بين إسلاميين ويساريين مغاربة

أثار لغطا في المغرب الأقصى: مركز سويسري يُوفر فرصة نادرة للحوار بين إسلاميين ويساريين مغاربة

بقلم محمود معروف، الرباط

بقلم محمود معروف، الرباط

بعد الهبات الشعبية التي اجتاحت شوارع العديد من البلدان العربية في عام 2011، شهد البعض منها (تونس والمغرب ومصر مثلا) تطورات سياسية متفاوتة الأهمية باتجاه مزيد من الممارسة الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار إلا أن الصراع بين القوى العلمانية والتيارات الإسلامية حال في معظم الأحيان دون بلورة وفاقات عملية بين الطرفين ما أدى إلى تعطيل مسار الإنتقال الديمقراطي، بل وحصول انقلابات على نتائج الإنتخابات أحيانا. (في الصورة: شعارات رُفعت في مظاهرة انتظمت في مدينة الدار البيضاء بالمغرب الأقصى يوم 30 أبريل 2011).

رغم مرور نحو أربعة أسابيع على الحوار الذي جمع إسلاميين ويساريين مغاربة في إطار منتدى نظمته مؤسسة قرطبة بجنيف، إلا أن تفاعل مختلف الأوساط المغربية معه، لا زال مستمرا، إذ أنه طرق بابا كان شبه مغلق بين فاعلين في المجتمع المغربي، كما المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، بعد أن كانت القطيعة هي السائدة لعقود.

الحوار النادر أشرفت على تنظيمه مؤسسة قرطبة بجنيفرابط خارجي، وهي منظمة سويسرية تضم في صفوفها ناشطين عرباً وأوروبيين وتُعنى بقضايا السلم وحوار الأديان والثقافات، وشهد مشاركة أكثر من 40 من الخبراء والفاعلين السياسيين من شمال أفريقيا، وغرب آسيا، ومنطقة الساحل، ينتمون إلى التيارين العَلماني والإسلامي، ناقشوا القضايا المتعلقة ببناء الثقة وإرساء إطار للتعاون بين فاعلين ذوي منطلقات فكرية ورؤى كونية مختلفة.

في الواقع، تركّز هذه المبادرة على أهمية إنتاج ثقافة سياسية جديدة مشتركة تستند إلى قِيم الحرية والعدل والكرامة والتنوع والقبول بالآخر وعدم الإقصاء والمواطنة ونبذ العنف، وذلك من خلال بناء تحالفات عابرة للأيديولوجيات تُسهم في إنجاح الإنتقال السياسي السلمي في المنطقة العربية.

في هذا اللقاء، شارك من المغرب الأقصى كل من نبيلة منيب، الأمين العامة للحزب الإشتراكي الموحّد، وعبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي والباحث أحمد أرحموش وحامد إدريس والناشطة اليسارية خديجة رياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الانسان ومحمد حمداوي عضو مجلس الإرشاد في جماعة العدل والاحسان ذات المرجعية الاسلامية والشيخ السلفي محمد عبد الوهاب رفيقي والباحث اليساري المعطي منجب.

أجواء إيجابية وخلافات طبيعية

في إشارة إلى مُخرجات الحوار، قال محمد عبد الوهاب الرفيقي، الباحث في الشؤون الاسلامية، والمعتقل السلفي السابق: “إن هذا القاء الذي قسم إلى أربع ورشات للحوار، جاء للتخفيف من التوترات التي تعرفها المنطقة العربية، حيث تميّز بمشاركة عدد من الشخصيات من مختلف التيارات الإسلامية والعلمانية بل وحتى المحايدين والباحثين المهتمين في الموضوع، وحسب انطباعي الخاص فالحوار كان في أجواء جد إيجابية وكان هناك توافق على أغلب النقاط المطروحة باستثناء بعض الخلافات، وهي خلافات طبيعية بين الطرفين”.

وفي لقاء مع swissinfo.ch، لفت الرفيقي إلى أنه “كان هناك تقارب بين هذه التيارات”، وإلى وجود “وعي تام لدى كل الأطراف بضرورة التعامل حول المشترك وبالتخفيف من الإيديولوجية وترك الخلافات الفكرية بعيدا عن النقاش”، معتبرا أن “ما هو مشترك أهم بكثير من هذه الخلافات”، ومشددا على أن “مختلف الأطراف لديها وعيٌ بذلك”.

وقالت خديجة الرياضي الناشطة الحقوقية، التي شاركت بدورها في إحدى ورشات هذا اللقاء، في تصريح ل”سويس انفو” : إن ” هذا الحوار وهذا اللقاء بين الإسلاميين واليساريين الذي ينظمه مركز قرطبة، جاء في وقته وكان منه، وشخصيا اقتنعت به، لكونه جمع مجموعة من الشخصيات اليسارية والإسلامية من المغرب، سيضيف الكثير للحوار الذي نعرفه في المغرب بين الجانبين في هذا الخصوص على اعتبار أنه في المغرب لدينا طموح لبناء جبهة نضالية واسعة بين الاإسلاميين واليساريين من أجل الاستبداد والفساد كما حصل في 20 فبراير” في اشارة الى حركة 20 فبرار الشبابية التي انطلقت بالمغرب في سياق الربيع العربي 2011 وحفزت على اصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية.

لا يُمكن خلق ديمقراطية والتقدم إلا بتفاهم وتقارب بين الإتجاهات الإسلامية التي تقول إنها تؤمن بالديمقراطية وبين الإتجاهات اليسارية التي تقول إنها تعمل من أجل الديمقراطية

المعطي المنجب، مؤرخ وحقوقي يساري مغربي

الحوار بديلا عن الإحتراب

في الواقع، لم يكن لقاء جنيف الذي انتظم في موفى شهر أغسطس الماضي إلا الحلقة الرابعة من أشغال هذا المنتدى الذي دشنته مؤسسة قرطبة بدعم من الحكومة السويسرية من أجل خلق حوار بين مُكونات المجتمعات العربية والإسلامية بدل الإحتراب حيث التقى المشاركون في هذا المسار في ورشات على امتداد عام كامل، وكان اللقاء الأول في إسطنبول (28 فبراير – 4 مارس 2016)، ثم في الدوحة (21 – 22 سبتمبر 2016)، ثم في إسطنبول مجددا (17 مارس 2017).

هذه اللقاءات أسفرت عن إصدار بيان ختامي في جنيف لخّص الخطوط العريضة للمبادرة، وحمل عنوان “نحو فضاء للتواصل والعمل المشتركرابط خارجي” وجاء فيه أن “الإستقطاب الحاد في سياقات الإنتقال السياسي الهشة غالبا ما يؤدي إلى حالة الفوضى، مما يمهّد الطريق لعودة أنظمة الإستبداد أو للإحتراب الداخلي”.

البيان أوضح أيضا أنه تم “التركيز على أهمية إنتاج ثقافة سياسية جديدة مشتركة تستند إلى قِيم الحرية والعدل والكرامة والتنوع والقبول بالآخر وعدم الإقصاء والمواطنة ونبذ العنف، من خلال بناء تحالفات عابرة للأيديولوجيات تُسهم في إنجاح الإنتقال السياسي السلمي في المنطقة”.

في السياق، اتفق المشاركون على أن “التخفيف من الإستقطاب بين الإسلاميين والعَلمانيين ينبغي أن يتجاوز الجدل الفلسفي ويركّز على ضرورة العمل المشترك لفائدة الصالح العام ومن أجل تقوية المجتمع وبناء الدولة”، ويتوافق هذا الإطار مع « فضاء مشترك» لا يقتضي تنازل أيّ طرف عن مرجعيته الفكرية أو خيانته لقضيته. بل إن هذا الإطار للعمل المشترك والجهد الجماعي لخدمة المجتمع يُمكن تأصيله انطلاقا من المرجعيات الدينية والأيديولوجية لجميع الأطراف.

وأشار البيان إلى أنه “يمكن لجماعات ذات قواعد مختلفة في إطار أنظمتها القيمية ورؤاها الكونية أن تختار الإنخراط في عمل مشترك مع جماعات أخرى مختلفة، ولكل منها أسبابها الخاصة”، وأنه “بهذه الكيفية، يُمكن لمختلف الجماعات أن تعيش معًا في فضاء مشترك، وتجد كل واحدة التبرير والحافز للقيام بذلك من منظور نظام قواعدها ومبادئها التوجيهية الخاصة بها”. وفي هذا الصدد، أشار البيان إلى أن الفيلسوف الأمريكي جون رولز يُطلق على عملية الإنخراط المشترك من مختلف الجماعات للتفاعل ضمن نفس الفضاء مصطلح «التوافقات المتداخلة».

الديمقراطية هي “الحل الوحيد”

البيان شدّد أيضا على إمكانية العيش المشترك خصوصا وأن “صحيفة المدينة دليل عملي من منظور إسلامي على إمكان التعايش والتفاعل الإيجابي في مجتمع متعدد الإنتماءات القبلية والدينية”، كما أن هذه الصحيفة التي سُمّيت بالوثيقة الدستورية الأولى في تاريخ البشرية، “نجحت في القيام بذلك بإدخال مفهوم جديد للإنتماء الإجتماعي مكوّن من ثلاث طبقات مختلفة: القبيلة المعترف بها واقعا اجتماعيا، والإنتماء الإجتماعي للدين الذي ينطوي على منظومة من القِيم المشتركة، والإنتماء إلى المدينة”.

أوصى المشاركون أيضا بأن “ينصبّ مجهود العمل المشترك على الرهانات الكبرى التي تُواجهها شعوب المنطقة فيما يخص المشاركة المواطنية والإنخراط المجتمعي للشباب، والتعليم، وكذا بناء ثقافات سياسية جديدة”.

وفي تصريح لـ swissinfo.ch، قال المعطي المنجب، المؤرخ والحقوقي اليساري المغربي: “لا شك أن الحوار كان منتجا، بحيث توصلنا في نهايته إلى نقطة مهمة وهي أن الحل الوحيد لكل الصراعات والتناقضات والإختيارات المختلفة بين هذه التيارات هو الديمقراطية ، كما لا يُمكن خلق ديمقراطية والتقدم إلا بتفاهم وتقارب بين الإتجاهات الإسلامية التي تقول إنها تؤمن بالديمقراطية وبين الإتجاهات اليسارية التي تقول إنها تعمل من أجل الديمقراطية”.


 المصدر:
مركز-سويسري-ي-وفر-فرصة-نادرة-للحوار-بين-إسلاميين-ويساريين-مغاربة-/https://www.swissinfo.ch/ara/43540884

Share this post