التطوّر الأيديولوجي لطالبان

التطوّر الأيديولوجي لطالبان

أحدثت السيطرة السريعة لطالبان على أفغانستان موجات من الصدمة في جميع أنحاء العالم. وحذّر العديد من الصحفيين منذ البداية من كون حركة طالبان لم تتغيّر على الإطلاق (1)، كما يخشى الكثير من عودة حكومة مماثلة لتلك التي كانت موجودة قبل عشرين عامًا…

بقلم عزير خان

1. المقدمة

أحدثت السيطرة السريعة لطالبان على أفغانستان موجات من الصدمة في جميع أنحاء العالم. وحذّر العديد من الصحفيين منذ البداية من كون حركة طالبان لم تتغيّر على الإطلاق (1)، كما يخشى الكثير من عودة حكومة مماثلة لتلك التي كانت موجودة قبل عشرين عامًا.

سنرى في هذا المقال تطوّر آراء طالبان في قضايا حيوية. وسننظر في المقام الأول إلى هذه النقاط من منظور أيديولوجية الحركة الدينية لأنّ ذلك ما يملي قرارات طالبان. يجب أن ندرك أنّ أفغانستان هي الدولة السنية الوحيدة (على الرغم من عدم الاعتراف بحكومتها بعد) التي يديرها زعماء دينيون حصريًا. لذلك، فمن خلال تحليل تطوّر آراء طالبان في بعض الأمور المثيرة للجدل، سنستكشف أيضًا تطوّر أيديولوجيتهم الدينية.

لذلك فمن المفيد التعرّض للأيديولوجية الدينية لطالبان وكيف توصّلوا إلى تبنّيها.

2. ديوباندية طالبان

درس العديد من قادة طالبان في مدارس ديوباندي وهم ينتمون إلى هذه الحركة الفكرية. والديوباندية هي حركة إحياء إسلامية سنية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حول مدرسة دار العلوم الإسلامية في مدينة ديوباند بالهند، التي اشتق منها اسم الحركة التي تهدف إلى الحفاظ على التعاليم الإسلامية خلال فترة الحكم الاستعماري. ثمّ توسّعت الحركة بسرعة، ويمكن القول إنّ دار العلوم بديوبند تُعدّ، بعد الأزهر، ثاني مؤسسة إسلامية سنية نافذة وموثوقة.

كان لهذه الحركة المؤثّرة جناح سياسي يتمثّل في جمعية علماء الهند التي دعت إلى توحيد الهند إلى جانب المؤتمر الهندي. غير أنّ بعض أعضاء الحركة لم يوافقوا على هذا الطرح وقاموا بإنشاء حزب آخر، لا يزال قائمًا إلى الآن على أيديولوجية ديوباندي، دعا بدلًا من ذلك إلى إنشاء باكستان. بعد الاستقلال، كانت هذه الحركة صغيرة نسبيًا، لكن مع ظهور حكم ضياء الحق وتوفّر التمويل من طرف دول الخليج مثل السعودية لدعم الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان، أصبح للحزب تأثير سياسي وموارد أكثر مكّنته من إنشاء مئات المدارس الدينية في الجزء الشمالي الغربي من باكستان قرب الحدود مع أفغانستان. في الوقت نفسه، كان العديد من اللاجئين والمجاهدين الأفغان يعبُرون الحدود إلى باكستان، ويدرسون في هذه المدارس الديوبندية. ويتردّد مؤسّسو حركة طالبان والعديد من قادتها حتى الآن على المعاهد الديوبندية، وأشهر هذه المدارس هي دار العلوم الحقانية الواقعة في ضواحي بيشاور، والتي يُطلق عليها في الإعلام الغربي اسم “جامعة الجهاد”.

تقوم المدرسة الديوبندية على تعليم المذهب الحنفي بصرامة، وحركة طالبان واضحة تمامًا بشأن تمسكّها بالحنفية. فقبل عشر سنوات، قال الأمير الحالي للحركة هبة الله أخوندزاده بوضوح في تسجيل صوتي أنه إذا قامت إمارة إسلامية، فستعتمد المذهب الحنفي (2). وتجدر الإشارة إلى أنّ المذهب الحنفي الذي تتّبعه المدرسة الديوبندية منتشر في الشرق الأدنى وشبه القارة الهندية، غير أنّ بعض تفسيرات نظام طالبان وممارساته لا يشاركها منتسبون آخرون إلى المذهب الحنفي، فهذا المذهب كغيره من المذاهب هو طيف يحتوي على مجموعة من الآراء حول مسألة محدّدة. ولذلك فإنّ أحناف تركيا على سبيل المثال ليسوا كأحناف المدرسة الديوباندية. وفهم طالبان الخاص لبعض القضايا يرجع إلى سياقهم الثقافي.

أغلبية سكّان أفغانستان من مجموعة البشتون العرقية، التي كانت دائمًا على رأس أفغانستان منذ أن اتخذت شكل دولة قومية في عام 1747. ويتمتع البشتون بأسلوب حياة تقليدي محدد: ميثاق شرف يعيشون على أساسه يُطلق عليه البشتونوالي، يعود تاريخه إلى عصور ما قبل الإسلام، و من الطبيعي أن تتأثر حنفية طالبان بالباشتونوالي.

العنصر الثاني الذي نحتاج إلى فهمه هو أن طالبان، وفقًا للباحث أوليفيي روا، ليسوا إسلاميين تقليديين بل إسلاميون جدد. والفرق بين الأصوليين التقليديين والأصوليين الجدد هو أنّ الفئة الأولى لديها أيديولوجية منهجية وأجندة سياسية، بينما الفئة الثانية مهتمة بشكل أساسي بشأن تطبيق الشريعة في أمور الشعائر واللباس والسلوك. وهذا التمييز مهمّ لفهم تركيز طالبان على القضايا المتعلقة باللباس.

سنركز الآن على ثلاثة جوانب حساسة تم انتقاد طالبان بخصوصها، وسنرى ما إذا كان هناك أيّ تطوّر أيديولوجي.

3. عمالة النساء وتعليم الفتيات

تعدّ مسألة توظيف النساء وتعليم الفتيات من أكثر الموضوعات إثارة للجدل فيما يتعلق بطالبان، خاصة منذ آخر تغيّر لموقفهم حول التعليم الثانوي للفتيات في 23 مارس 2022 (3)، ممّا أعاد فتح جراح الماضي، حين كان تعليم الإناث ممنوعًا. إنّ لدى طالبان نظرة تقليدية لدور المرأة، ترى أنه يجب عليها الاعتناء بالمنزل وتجنّب الاختلاط بالرجال قدر الإمكان. ووفقًا لبعض أتباع الباشتونوالي، فإنّ مجرّد النظر إلى وجه امرأة أجنبية هو إهانة لشرفها. وبالتالي، لتجنّب الاختلاط، يجب على النساء تجنّب الخروج قدر الإمكان، مما يحدّ من فرصهن في الذهاب إلى المدرسة أو العمل. هذا الإطار الفكري تدعمه بعض المواقف الثانوية للغاية في المذهب الحنفي. وتتجلى أهمية أخذ السياق في الاعتبار من خلال التناقض مع آراء الديوبنديين في باكستان، الذين يتبعون أيضًا المذهب الحنفي وهم مدرّسون للعديد من زعامات طالبان، والذين يختلفون بشدة مع طلابهم من طالبان حول هذه الأسئلة وينتقدونها (4). حيث لا يرى الديوبندي الباكستاني مشكلة في تعليم النساء أو توظيفهن طالما يتمّ ذلك في سياق يحترم القِيَم الدينية الأساسية.

منذ عودتها إلى الحكم عام 2022، فرضت حركة طالبان مرة أخرى العديد من القيود على النساء خارج منازلهن. وبعض هذه القيود تشير إلى نفس المخاوف الثقافية والدينية المرتبطة باختلاط النساء والرجال، وإهمال النساء لرسالتهم الأساسية التي هي، حسب رؤية طالبان، رعاية أسرهم داخل المنزل. لكن بشكل عام، تعتبر طالبان الآن أنه يمكن للمرأة أن تدرس وتعمل طالما يتم استيفاء شروط معيّنة، مثل المدارس غير المختلطة (5). علاوة على ذلك، أعرب مسؤولو طالبان في عدة مناسبات عن الحاجة إلى تثقيف النساء. وعلى الرغم من تراجعهم عن فتح المدارس الثانوية، إلا أنهم لم يقولوا إن تعليم الفتيات محظور رسميًا، بل أشاروا إلى تأجيل فتح المدارس، وهذا يمنح المراقبين لسياساتهم بعض الأمل. كما تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار ليس بالضرورة مبرّرًا أيديولوجيًا. ويعتقد بعض المحللين السياسيين أنّ طالبان استخدمت قضية تعليم الفتيات كوسيلة لتحويل انتباه الغرب من أوكرانيا إلى أفغانستان (6). وحتّى لو كان هذا القرار قائمًا على دوافع أيديولوجية من قِبل الجناح الأكثر تقليدية لطالبان، فإنّ العديد من الأصوات المعارضة سُمعت داخل الحركة وأيضًا من علماء وفاعلين في جميع أنحاء أفغانستان، مثل الجنرال الشهير موبين أو غيره من الأعضاء النشطين في الحكومة على تويتر (7). وهذا يشير بوضوح إلى النأي عن المواقف التي كانت سائدة قبل عشرين عامًا، وهو ما يعززه أن العديد من الجامعات الخاصة بالنساء لاتزال مفتوحة (8). وقد ذكر عدد من كبار أعضاء الحكومة، مثل أنس حقاني، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن قضية مدارس البنات ستُحلّ قريبًا (9).

أمّا في ما يتعلّق بمكانة المرأة في الفضاء العام بشكل عام، فقد بدا الوضع مختلفًا بعض الشيء عما كان عليه قبل 20 عامًا، إلى غاية 7 مايو 2022 كما سنرى في الفقرات الآتية.

من الناحية النظرية، منذ وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021 وإلى غاية مايو 2022، كان بإمكان النساء شغل الوظائف العمومية بشرط ارتدائهنّ الحجاب الشرعي. أمّا في ما عدا ذلك من المهن، فكان بإمكان المرأة العمل وإدارة المحلات التجارية مع مراعاة الحد الأدنى من قواعد اللباس: الملابس الفضفاضة والتشادور، والوشاح الذي يخفي جزءًا من الشعر (10). ومن المثير للاهتمام أن ارتداء البرقع لم يكن إجباريًا (لكنه موصى به بشدة) على النساء (11). قبل عشرين عامًا، كان من غير المعقول أن تخرج المرأة بدون البرقع. أمّا الآن فإنّ حركة طالبان تتساهل مع النساء اللواتي يرتدين التشادور فقط، وإن كانت الحركة لا تزال تشجع النساء على ارتداء البرقع من خلال الملصقات المختلفة الموجودة في الشوارع. والمثير للدهشة أنهم ما زالوا يخلطون بين الحجاب الشرعي والبرقع، حيث ورد مصطلح الحجاب مع صورة البرقع. مع أنه في الفكر الحنفي التقليدي، يشير الحجاب إلى الملابس الفضفاضة وتغطية الشعر دون الوجه.

جانب آخر مثير للاهتمام هو أنه كان يُسمح نظريًا للنساء بمغادرة المنزل دون الحاجة إلى مرافقة رجل محرم، خلافًا لسياسة طالبان قبل عشرين عامًا. وفي هذه المسألة كانت حركة طالبان أكثر انسجامًا مع الفقه الحنفي التقليدي. إنّ هذا التوافق مع المذهب الحنفي لا يزال ينطوي على قيود معينة مثل منع النساء من ركوب الطائرة بمفردهن (12) وحظر قطعهن مسافة تزيد عن 72 كيلومترًا بمفردهن (لأن ذلك يعتبر بمثابة سفر)، وهو رأي موجود في الفقه الحنفي.

مع ذلك، منذ 7 مايو 2022 تمّ إلغاء معظم الحريات التي كانت تتمتع بها المرأة مقارنة بما كانت عليه قبل 20 عامًا. وتُجبر النساء مرة أخرى على تغطية وجوههن والخروج مع مرافق. إنه مثال على الخلط بين الثقافة البشتونية والحنفية التقليدية. سأل مراسل البي بي سي في أفغانستان وباكستان، سكوندر كرماني، ممثّل حركة طالبان بصراحة عن فهمهم للحجاب، فردّ الأخير بأنّ الحجاب يشمل أيضًا تغطية الوجه (13)، وهو ما يتعارض مع الفقه الحنفي الذي تتبعه حركة طالبان.

ويأتي جزء كبير من هذه القرارات المثيرة للجدل من وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

4. تطبيق الشريعة الإسلامية

1.4. وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

دور هذه الوزارة، التي كانت قوية التأثير في المجتمع قبل عشرين عامًا، هو ضمان احترام العادات الإسلامية في المجال العام. فكان يجب تطبيق جميع الآراء الدينية لطالبان من قبل الجميع في المجال العام، فأُجبر الرجال على إطلاق اللحى، وحُظرت أجهزة التلفزيون، إلخ. ومع عودة طالبان إلى السلطة، أعادوا إنشاء هذه الوزارة، لكن يبدو أنها اتخذت نهجًا مختلفًا هذه المرة. فوفقًا لبياناتها الرسمية، تهدف الوزارة إلى تقديم النصيحة بدلًا من تسليط العقاب. وفي بعض الوثائق الإرشادية حول السلوك الذي يجب على موظفيها انتهاجه، “ينبغي عليهم التحلّي بالصبر والتصرّف مع الناس بحكمة” (14).

وخلافًا لما حدث قبل عشرين عامًا، لم يفرض طالبان ارتداء الحجاب أو البرقع كاملًا في الأماكن العامة. وفي معظم المناطق، لا يُرغم الرجال على إطلاق اللحى، باستثناء من يشتغل في الوظيف العمومي.

عند الحديث عن هذه الوزارة، نرى أهمية التمييز الذي قام به الباحث أوليفيي روا بين الأصوليين التقليديين والأصوليين الجدد. نظرًا لأنّ طالبان ينتمون إلى الفئة الأخيرة، فإنّ سياسات حكمهم لا تتوافق تمامًا مع أيديولوجيتهم. إن طريقتهم في تطبيق الشريعة في الفضاء العام من طرف وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه تظهر تنظيمهم غير المنضبط. ففي حين أنه يجب على وكلاء هذه الوزارة الذين يقومون بدوريات في الشوارع تقديم النصح فقط، إلا أنه تردّد أن بعض أفرع هذه الوزارة حاولت فرض آرائها على الأهالي في بعض الأحياء من خلال منع حلق اللحية (15) أو تسجيل الحضور في صلاة المساجد. ومن الأمثلة الأخرى المثيرة للاهتمام حالة ممثّل وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة بلخ الشمالية، الذي أمر بإغلاق الحمامات العامة للنساء. غير أنه بعد بضعة أيام، وبعد رفع العديد من الشكاوى من العلماء، أفاد متحدث باسم الوزارة أنه لم يصدر أي أمر رسمي بشأن هذه المسألة من كابول (16). لذلك يبدو أن تطبيق طالبان لمفهومهم للشريعة أمر يعتريه بعض التشويش. ففي بعض المسائل يبدو أنهم أكثر انفتاحًا، مثل ترك أجهزة التلفاز والشبكات الاجتماعية وحلق اللحى، لكن في حالات أخرى، بدلًا من تقديم النصح، فهم يفرضون آراءهم، مثل مسألة ملابس النساء.

لقد وصل الأمر لدرجة أنّه حتى بعض أنصار طالبان يطالبون بتفكيك الوزارة لأنها تتدخّل في الحياة الخاصة للناس وتشجّع طالبان على التجسّس عليهم، ومن المرجح أن يحدث ذلك لأن العديد من العاملين في هذه الوكالة الحكومية لم يتلقوا التدريب المناسب.

على الرغم من أن الغرض من هذه الوزارة هو تقديم النصح في المقام الأول، فإنه إذا ضبط أحد أعضائها شخصًا يرتكب فعلًا غير لائق أخلاقيًا واجتماعيًا بعد أن تمّ تحذيره مرارًا بالتوقف عن ذلك، يقوم بتقديمه إلى العدالة، وينطبق ذلك منذ 7 مايو 2022 على النساء اللائي لا يغطين وجههن. في الواقع، إذا خالفت امرأة هذه الأوامر، يأتي أعضاء الوزارة إلى منزلها لإخطار وليّ أمرها. وإذا استمرت في عصيان الأوامر، يتمّ استدعاؤه إلى الوزارة لتقديم النصح له. أمّا إذا تمادت المرأة في عصيان الأوامر، فيتمّ تقديم وليّ أمرها إلى العدالة وسجنه لمدة ثلاثة أيام (17). من الواضح، بالنظر إلى أن هذا القرار حديث، أنّ هناك بعض الضبابية بخصوص تطبيقه على أرض الواقع.

من ناحية أخرى، ثمّة مجموعة معينة من الجرائم تؤدّي إلى تقديم الجاني مباشرة إلى العدالة. ويترتّب عن غالبية هذه الجرائم “الخطيرة” عقوبات ثابتة في النصوص الإسلامية تسمّى حدودًا، مثل قطع يد السارق.

2.4. المحاكم الشرعية

تستند أحكام المحاكم بشأن هذه الحدود إلى فهم حنفي للشريعة الذي تعلمه العديد من قضاتها في معاهد ديوبندي. وقبل عشرين عامًا، أثارت حالات الرجم علنًا والعقوبات القاسية الأخرى غضبًا شعبيًا. يبدو أن العقوبة الجسدية ستستمر، لكن فقط إذا تمّ استيفاء الأدلة المطلوبة بدقة. ووفقًا لسانجار باخير من موقع “عين الأفغان”، فإنّ طالبان أقلّ تسرعًا الآن في إصدار أحكام بالعقاب الجسدي منذ أن نشر عبد الحكيم حقاني، أحد أكثر علماء طالبان احترامًا ووزير العدل الحالي، كتابًا بعنوان “روضة القضاء” يوضّح فيه الطريقة الصحيحة لإصدار الأحكام. علاوة على ذلك، أشار أحد مؤيدي طالبان والصحفي النشط على تويتر، قاري عبد الستار السعيد، إلى عدم وجود حالات عقاب جسدي حتى الآن، على الرغم من ارتكاب العديد من الأشخاص لجرائم يرجح أن تستوجب هذا النوع من العقوبة. في الواقع، حسب قوله، يستغرق الأمر وقتًا لجمع كل الأدلة اللازمة لهذه الأحكام (18). وقال مسؤول آخر إنه إذا كانت هناك أي سجلات لمثل هذه العقوبات، فقد لا يتم تنفيذها في الأماكن العامة (19). يبدو أن هذه التعليقات تشير إلى الابتعاد عن نهج الشدة في تطبيق أحكام الفقه الإسلامي المتأثّر بعادات الباشتو التقليدية، لصالح نهج أكثر اعتدالًا في الفقه الحنفي، بما يتماشى أكثر مع تعاليم ديوباند.

آخر مسائل الجدل حول طالبان التي سنذكرها هي علاقتهم المضطربة مع الأقلية الشيعية.

5. العلاقات مع الشيعة

عانى الشيعة في أفغانستان، ومعظمهم من أقلية الهزارة العرقية، من انتهاكات واسعة النطاق من قبل حركة طالبان قبل عشرين عامًا. وترد اليوم تقارير عن معاناة بعض عائلات الهزارة، لكن على مستوى الدولة تشير بعض الرسائل الرسمية إلى سياسة جامعة تشمل الجميع. وقال المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد: “نحن نوفر بيئة آمنة للجميع، خاصة الهزارة” (20). وتستند هذه التصريحات إلى براغماتية طالبان. فرغم أنهم يعتبرون المعتقدات الشيعية فاسدة، إلّا أنهم يتسامحون مع الممارسات الشيعية. وثمّة بعض حسابات تويتر التي يُعتقد أنها تابعة لأنصار داعش نشرت العديد من مقاطع الفيديو التي تُظهر طالبان وهم يحمون الأضرحة الشيعية. وبحسب هذه الروايات، فإنّ حركة طالبان قد خفتت بشدة (21).

على الرغم من هذه المؤشرات المطمئنة، فإن السكان الشيعة يخشون الأسوأ. فقد قال عالم دين شيعي مقيم في باكستان إنه على الرغم من أن حكومة طالبان لديها نوايا حسنة تجاه الشيعة، إلا أن المشاكل يمكن أن تصدر عن جنودهم غير المدربين الذين ينحرفون عن سياسة الحركة (22). هذا يعيدنا إلى حقيقة أن طالبان هي حركة أصولية جديدة ولا تزال حكومتها هشة.

6. الخاتمة

في الختام، ربما يكون خوف الصحفيين من عودة أفغانستان إلى ما كانت عليه قبل عشرين عامًا مبالغًا فيه، لأنهم ينسون أو يتناسون ما كان عليه الحال خلال نظام طالبان الأول. صحيح أن العديد من القرارات التي اتخذتها طالبان تذكرنا بنظامهم السابق، خاصة في ما يتعلّق بشؤون المرأة. ومع ذلك، كما رأينا، فقد أصبحوا أقل حسمًا من الناحية النظرية والأيديولوجية في بعض القضايا. فأصبحت أيديولوجيتهم الآن أقرب بكثير إلى أيديولوجية الديوبنديين الذين درسوا معهم. علاوة على ذلك، غالبًا ما قوبلت أوامر طالبان الأكثر راديكالية بمقاومة حتى من مؤسسة طالبان العلمية. ومع ذلك، فإنّ إدارتهم الفوضوية والتيار الراديكالي في صفوفهم، يمكن أن يُحدث فجوة بين ما تتبناه الحكومة كسياسة وما يمكن فعله على المستوى المحلي من قبل القاعدة الشعبية للحركة. وهذا يهدّد بتقويض التحولات الأيديولوجية المتواضعة للحركة خلال العقدين الماضيين.


الإحالات

(1) The Taliban Is Just as Bad as It Always Was. Yasmeen Serhan. The Atlantic, October 16, 2021. https://www.theatlantic.com/international/archive/2021/10/taliban-hasnt-changed-afghanistan/620371/
(2) Islam Paal. Mar 20, 2022. https://twitter.com/IslamPaal/status/1505514088205815809
(3) The Taliban closes Afghan girls’ schools hours after reopening. Aljazeera, 23 Mar 2022. https://www.aljazeera.com/news/2022/3/23/taliban-orders-girls-schools-shut-hours-after-reopening
(4) Qaseem Nangyal. Apr 21, 2022. https://twitter.com/QaseemNangyal/status/1517100359973576704
(5) Afghanistan: Taliban announce new rules for female students. BBC, 12 September 2021. https://www.bbc.com/news/world-asia-58537081
(6) The Consequences of Closing Girls’ Schools. Abdulhakim Allahdad. Afghan Eye, 30 March 2022. https://afghaneye.org/2022/03/30/the-consequences-of-closing-girls-schools/
(7) Natsec Jeff. Mar 28, 2022. https://twitter.com/Natsecjeff/status/1508502346917158913
(8) Taliban reopen universities for Afghan women in 6 provinces. Tameem Akhgar. AP News, February 2, 2022. https://apnews.com/article/afghanistan-kabul-taliban-b09a81e36032f8ec2551c94699c1cce5
(9) Tolo News. May 4, 2022. https://twitter.com/TOLOnews/status/1521772482281320448
(10) Of course, women can work in Afghanistan! 5Pillars. https://www.youtube.com/watch?v=3dDbpOORExQ&ab_channel=5Pillars
(11) In Afghanistan, Taliban diktat sparks debate about women’s attire. Arwa Ibrahim and Mohsin Khan Momand. Aljazeera, 26 Jan 20222. https://www.aljazeera.com/news/2022/1/26/holdafghan-women-denounce-talibans-burqa-campaign
(12) Afghanistan’s Taliban ban women from flying without male chaperone. Swiss Info, March 27, 2022. https://www.swissinfo.ch/eng/afghanistan-s-taliban-ban-women-from-flying-without-male-chaperone—sources/47467410
(13) Secunder Kermani. May 8, 2022. https://twitter.com/SecKermani/status/1523243735307677696
(14) Afghanistan: what is the ‘ministry for the Propagation of Virtue and the Prevention of Vice’. Zyri, December 21, 2021. https://www.zyri.net/2021/12/21/afghanistan-what-is-the-Ministry-for-the-propagation-of-virtue-and-the-prevention-of-vice/
(15) The Taliban Order Barbers Not to Shave Beards in Afghan Province Of Helmand. NPR, September 27, 2021. https://www.npr.org/2021/09/27/1041025238/the-taliban-order-barbers-not-to-shave-beards-in-afghan-province-of-helmand
(16) Is Governance the Taliban’s Achilles Heel? United States Institute of Peace. https://www.youtube.com/watch?v=JUp7c4MBfRE&ab_channel=UnitedStatesInstituteofPeace
(17) Secunder Kermani. May 7, 2022. https://twitter.com/SecKermani/status/1522832899254464513
(18) Qari Saeed. Feb 23, 2022. https://twitter.com/qarisa3eed/status/1496305045041782784
(19) Taliban Official Says Strict Punishment and Executions Will Return. NPR, September 24, 2021. https://www.npr.org/2021/09/24/1040339286/taliban-official-says-strict-punishment-and-executions-will-return?t=1649759882125
(20) Despite Mistrust, Afghan Shiites Seek Taliban Protection. VOA News, November 16, 2021. https://www.voanews.com/a/despite-mistrust-afghan-shiites-seek-taliban-protection-/6315097.html
(21) Taliban Exposed. Mar 29, 2022. https://twitter.com/talibs_exposed/status/1508921252022525960
(22) Afghanistan’s Shia are fearful in face of Taliban takeover. Amy Kazmin, Najmeh Bozorgmehr and Farhan Bokhari. Financial Times, August 26, 2021. https://www.ft.com/content/dedd8b47-e7fa-4afe-aa0f-d1833dc27418

Share this post