التربية الدينية في العراق: ماذا نجد منها، أين نفقدها، ولماذا تشكل عاملاً مهماً

التربية الدينية في العراق: ماذا نجد منها، أين نفقدها، ولماذا تشكل عاملاً مهماً

غالباً ما يكون إنتاج أنظمة تعليمية مؤثرة للشباب في صدارة المناقشات والخطط عند الأمم التي تسعى لزيادة استقرارها الإجتماعي والإقتصادي والسياسي. إن النتائج التعليمية الإيجابية على المستوى الوطني تساهم في رفع مستويات الإبتكار والعناية بأصحاب المواهب والتقليص مما يسمى بهجرة العقول، وهي الظاهرة التي تجسد مغادرة ألمع الأفراد وأكثرهم مهارة في مجتمع ما مسقطَ رأسهم إلى مكان آخر يعد بفرص أوسع في التعليم والعمل.

غالباً ما يكون إنتاج أنظمة تعليمية مؤثرة للشباب في صدارة المناقشات والخطط عند الأمم التي تسعى لزيادة استقرارها الإجتماعي والإقتصادي والسياسي. إن النتائج التعليمية الإيجابية على المستوى الوطني تساهم في رفع مستويات الإبتكار والعناية بأصحاب المواهب والتقليص مما يسمى بهجرة العقول، وهي الظاهرة التي تجسد مغادرة ألمع الأفراد وأكثرهم مهارة في مجتمع ما مسقطَ رأسهم إلى مكان آخر يعد بفرص أوسع في التعليم والعمل. بالنسبة للعراق، التربية الدينية واللاهوتية تلعب أيضاً دوراً هاماً في تنشئة أجيال مجهزة للمساهمة في المجتمع ويمكنها الإنخراط في الأحداث المحلية والدولية.

بناء على المناقشات التي تتمحور حول الأساليب والطرق التي يمكنها أن تمنع التطرف العنيف، قد تعد التربية الدينية واللاهوتية من العوامل التي يمكنها أن تشجع أو تمنع في الوقت نفسه مثل تلك الايديولوجيات والأفعال والسلوكيات. لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه في الوقت الذي يمكن فيه للتربية الدينية واللاهوتية (الإلهية – علم الإلهيات) أن تكافح الآراء المتطرفة وتحث على المعتقدات الدينية المعتدلة، فإن المجموعات المتطرفة العنيفة غالباً ما تستخدم الوعود بالتعليم والفرص الأفضل كوسيلة لجذب المنتسبين من الشباب[1]. إن ما يُقصد بالتعليم اللاهوتي، والذي عادةً يكون متوفراً في المراحل الثانوية والجامعية وفي الحلقات الدراسية، هو المنهاج الذي يحلل المعتقدات الدينية بشكل عقلاني. يتضمن ذلك دراسة طبيعة الله وعلاقته مع العالم وكيفية ظهور و تجسّد هذه المعاني في النصوص المقدسة. إن طلاب الدراسات الإلهية (اللاهوتية) يتجهزون، بشكل عام، للدراسات الأكاديمة المتقدمة في علم الإلهيات، بالإضافة إلى مناصب قيادية دينية. أما التربية الدينية فتميل إلى مستوى أقل من التحليل من التربية اللاهوتية، وهي متوفرة، بشكل رئيسي، في المراحل الإبتدائية والثانوية. غالباً ما تركز التربية الدينية على عرف ديني خاص وتتضمن منهاجاً عن تاريخ الدين وتفاصيل المبادئ والمذاهب الدينية والقيم والمعتقدات التي يؤيدها العرف الديني. في المدارس التي يُدرس فيها دين واحد كجزء من التعليم الرسمي، غالباً ما يكون الهدف هو ترسيخ الإعتقاد وغرس المعرفة في أعراف الدين في نفوس وأذهان الطلاب.

لقد كان دمج التربية الدينية في المدارس محل نقد بسبب قدرته على إضفاء طابع رسمي على القيم الدينية واللاهوتية عند الطلاب – والذين لا يُحتمل منهم الشك في السلطات والمعلمين ومحتوى المنهاج – في عمر صغير. إن من شأن هذا أن يمنعهم، بدوره، من تكوين تفكير نقدي تجاه هذه القيم أو الإلتفات إلى تعاليم بديلة. في حالات قصوى من النقد، اتُهمت التربية الدينية بقيادة الشباب لتبني تفاسير تحمل العنف لقيم دينية سلمية في أساسها.

من الناحية الأخرى، لقد كانت التربية الدينية واللاهوتية موضع إشادة لقدرتهما على زيادة محو الأمية فيما يتعلق بمسائل الدين، في بلاد مثل العراق على وجه الخصوص، حيث للهويات والمعتقدات الدينية تأثير ملموس على النسيج الإجتماعي والسياسي للمجتمع، الأمر الذي يجعل القدرة على تقييم المرء لمعتقداته، وفهم التعقيدات التي يحتملها تفسير النصوص المقدسة، والتحدث بدراية عن التاريخ الديني، والمشاركة في حوار مثمر مع الأفراد المنتمين للأنظمة الدينية الأخرى، إنما هي مجموعة هامة جداً من المهارات، والتي غالباً ما يتم التقليل من أهميتها.

لقد تمتّع النظام التعليمي في العراق تاريخياً – وهو إلزامي حتى الصف السادس (إلى عمر أحد عشر سنة تقريباً) ومجاني في جميع المستويات – بمعدلات عالية جداً في كل من التسجيل في المدارس ومحو الأمية[2]، وهذا يتضمن معدل تسجيل عال يصل إلى 100% في المستوى الإبتدائي في سبعينات القرن الماضي[3] وسمعة عالمية من الإمتياز والإحترام. تتميز البلاد باهتمامها بتعليم الإناث وتتضمن بين أهدافها الأساسية الدعوة إلى القيم الأخلاقية السامية مثل الإحترام والتسامح[4]. يستفيد الطلاب من مجموعة واسعة من المواد الدراسية المتاحة، بما في ذلك اللغات والعلوم الطبيعية والإجتماعية والرياضيات والتاريخ والتدريب المهني وإعداد المدرسين. هذه المواد تتضمن الدراسات الدينية، والتي يتم تدريسها لعدة ساعات أسبوعياً وفي جميع الصفوف الدراسية.

لقد كانت التربية الدينية، خلال فترة حكم نظام صدام حسين، عنصراً أساسياً من التعليم الإبتدائي والثانوي للطلاب المسلمين. ولقد أبدت انحيازاً قوياً نحو الفكر والمذهب السني تأثراً بميول صدام الدينية. إن المعلقين الدوليين والطلاب العراقيين على حد سواء يقرون بالتمييز الذي كان يشعر به الطلاب الشيعة في تلك الفترة، والذين كانوا يحبطون بشكل عام من فكرة متابعة الإلتحاق بدراسات عليا دينية أو لاهوتية. إضافة إلى ذلك، لقد كان الرأي السائد أن وجود المناهج الدينية ينبع من دوافع صدام السياسية، بدلاً من الإخلاص الديني أو الرغبة بتزويد الطلاب بتجربة تعليمية أكثر شمولية. بالتالي، لقد كان يُنظر بشكل عام إلى التربية الدينية والمنهاج المدرسي على أنه يخدم نهجاً أكثر “علمانيةً” من السنوات التي سبقت أو تلت نظام صدام مباشرةً.

بعد انتهاء نظام صدام عام 2003، واستعادة المناطق المحتلة من قبل “داعش” إلى السيطرة العراقية في العام 2017، قامت وزارة التعليم ببذل جهود جبارة لإعادة تشكيل وإعادة إحياء النظام التعليمي في العراق. لقد بقيت البنية العامة والجدول الزمني والفترات الإمتحانية الرئيسة في النظام التعليمي متسقة مع ما كانت عليه في الفترات الزمنية السابقة، لكن وزارة التعليم عملت ببطئ لإعادة بناء كليات جامعية كانت قد ألغيَت من قِبل “داعش” بناء على معتقدات “داعش” الدينية والفلسفية، بما في ذلك كليات الفنون الجميلة، والعلوم السياسية، والدراسات الدينية غير الإسلامية، وعملت كذلك على تعزيز السلامة، وتقوية المناهج، وزيادة معدلات محو الأمية، والإلتحاق بالمؤسسات، في المدارس الإبتدائية والثانوية، وكانت هذه المؤسسات جميعها قد عانت بشكل كبير عندما كانت تحت سيطرة “داعش”. لا زالت المدارس، بجميع المراحل الدراسية، تعاني من نقص حاد في المواد والتقنية والكتب المدرسية والكوادر التدريسية اللازمة لتعطي للطلاب الفرصة للإزدهار في صفوفهم إلى نفس مستواهم في الفترة بين منتصف إلى أواخر القرن العشرين. علاوة على ذلك، أصبح الأهالي مترددين في إرسال أبنائهم، وخصوصاً البنات، إلى المدرسة في المناطق حيث لا تزال توجد أجهزة متفجرة ارتجالياً لم تنفجر بعد، ولا يزال العنف السائد يشكل تهديداً مستمراً[5].

لقد تمت صياغة الإصلاح التعليمي الأحدث في عام 2011 كجهد مشترك بين الجمهورية الفدرالية في العراق ومكتب التربية الدولي التابع لليونيسكو. بدأت عملية تطبيق هذه الفلسفة والمناهج الجديدة في برامج تدريب الفصول الدراسية وإعداد المدرسين قبل وصول “داعش” إلى البلاد، لكن تم تناولها مرة أخرى في جهود إعادة البناء ما بعد داعش. على الرغم من أن المدارس في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش كانت قد خضعت لتغييرات دينية مشحونة كانت تعتبرها المجتمعات المحلية والدولية سلبية عموماً، وغير متسامحة وتراجعية، فإن إطار المنهج الدراسي العراقي الجديد يتضمن خطابًا دينيًا ولاهوتيًا يركز على الرسائل الرحيمة والشاملة والتقدمية للإسلام، وكذلك الترويج لهوية عراقية مشتركة وموحدة. تشمل الأهداف الأساسية للخطاب “بناء أفراد يتمتعون بالأخلاق على أساس من القيم والمبادئ الدينية الرفيعة ورفض التطرف”، وإيجاد “مواطنين فخورين ومسؤولين في العراق والعالم الأوسع” جزئياً من خلال غرس “مبدأ الإيمان بالله ووحدته ورسله وكتبه واحترام الشعائر الدينية “و” المفاهيم السلوكية المستمدة من قيم الإسلام والأديان التوحيدية الأخرى”، وذلك من مرحلة ما قبل الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية[6]. وهكذا، فإن جهود العراق نحو استعادة التعليم خلال العقدين الأخيرين تضمنت الدوافع العلمانية والترويج للمعتقدات الدينية – الإسلامية تحديداً.

بالنظر إلى التحديات المتمثلة في تهيئة بيئة تعليمية آمنة وناجحة في أعقاب هذا العنف الاجتماعي والسياسي والديني والطائفي الشديد، فمن غير المفاجئ أن التصورات التي قام العراق من خلالها بإدراج التعليم والقيم الدينية في الفصول الدراسية قد تلقت ردود فعل متباينة. لقد تراوحت الآراء التي عبرت عنها الجهات الفاعلة المحلية والدولية بين وصف التعليم الديني والخطابة في العراق على أنهما ضاران ومستبعِدان للأقليات الدينية، إلى وصفها بأنها جهود مفعمة بالأمل، ووسيلة يمكن للطلاب من خلالها أن يتعلموا رفض الايديولوجيات الدينية المتطرفة.

إن مواد الدراسات الإسلامية، والتي تشغل عادةً حوالي ساعة في اليوم الدراسي، أصبحت اليوم اختيارية للطلاب، مما يتيح لغير المتدينين ولغير المسلمين من الطلاب الإستغناء عن المواد نهائياً إذا أرادوا ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإن مواد دينية بديلة، مثل تلك المتعلقة باللاهوت المسيحي والتاريخ، أصبحت متوفرة في عدد صغير من المدارس حيث تشكل الأقليات الدينية جزءًا كبيرًا من الطلاب[7]، في حالات كهذه، يكون لدى الطلاب الفرصة لحضور دروس المواد الدينية التي تتوافق بشكل أفضل مع هويتهم الدينية[8].

ومع ذلك، فإنّ الواقع المُعاش والنتائج الملحوظة للطلاب كأفراد لهي أكثر تعقيدًا من البساطة المتمثلة في قرار التسجيل في مواد الدراسات الإسلامية أو الإستغناء عنها. فأولاً، يتم إدخال محتوى مواد الدراسات الإسلامية (في حال اختار الطالب أن يلتحق) في الامتحانات الرئيسة، ولكن ذلك لا ينطبق على المقررات الدراسية في ديانات الأقليات. وبالتالي، فإن الطلاب الذين يختارون عدم التسجيل في مواد الدراسات الدينية، أو الذين يسجلون في مادة تركز على دين غير إسلامي، قد يجدون أنفسهم في الطرف الأضعف من فجوة أكاديمية وتنافسية، مقارنة بالطلاب الذين يسجلون في مواد الدراسات الإسلامية، طيلة مسيرتهم التعليمية. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ كون الغالبية العظمى من الطلاب يختارون الالتحاق بالدراسات الإسلامية، قد جعل النشطاء الاجتماعيين والعلماء المهتمين بالتجربة التعليمية للطلاب غير المسلمين يتكهنون بأن وجود الدراسات الإسلامية يزيد من تهميش الطلاب الذين كانوا يجدون أنفسهم أصلاً على الهوامش الإجتماعية والدينية من المجتمع العراقي. ويجادل المدافعون عن إزالة التربية الدينية من المدارس العامة بأن الطلاب المنتمين إلى أقليات دينية قد يشعرون بأنهم مجبرين على التسجيل في مواد الدراسات الإسلامية حتى يكونوا قادرين على المنافسة أكاديمياً مثل أقرانهم المسلمين، وكذلك ليندمجوا اجتماعياً مع غالبية الطلاب. وفي النتيجة فإن هذه تجربة تتناقض بشكل جلي مع جهود العراق لإنشاء هوية وطنية موحدة.

بالإضافة إلى ذلك ، فقد أثيرت مخاوف بشأن قدرة مواد التربية الدينية على مساعدة الطلاب على فهم التقاليد الدينية الأخرى بشكل أفضل، والحوار معها، وإظهار التعاطف معها. في المدارس التي تقدم فيها مجموعة متنوعة من المواد الدينية، يجادل النقاد بأن تقسيم الطلاب حضورياً بناءً على هوياتهم الدينية المختلفة إلى فصول دراسية مختلفة يزيد فقط من الانقسامات والصراعات الطائفية، ولا يسهم في الحوار بين الأديان، وبالتالي يتسبب في تراجع البيئة التعليمية في العراق مقارنة ببنية صدام التعليمية الأكثر “علمانية”.

على الرغم من هذه الانتقادات، فإن وجود التربية الدينية في المدارس قد سمح للعراق برؤية درجة أكبر من التسامح ومحو الأمية الدينية. إن الأمثلة الناجحة للحوارات بين الأديان ومبادرات إعادة البناء التي تمتد على هويات دينية متعددة، وإدماج الطلاب من التقاليد الدينية المتعددة في المدارس المرموقة غالباً ما يتم الاحتفال بها في الأخبار وبين القادة الدينيين والسياسيين كعلامات على نمو العراق وتسامحه. على سبيل المثال، تم افتتاح أول مدرسة خاصة متعددة الأديان رسميًا في البصرة في العام 2018 حيث يحضرها مسيحيون ومسلمون وطلاب من مجتمعات دينية أخرى. لقد تم افتتاح المدرسة بهدف تزويد الطلاب المسيحيين ببيئة مدرسية أكثر أمانًا، وفي نفس الوقت، تعزيز الحوار والصداقة والمواطنة المشتركة بين الأطفال من مختلف الهويات الدينية[9]. كما يتسم أعضاء هيئة التدريس في المدرسة بالتنوع كذلك، وبحسب قول رئيس الأساقفة حبيب جاجو، “نحن نؤمن أننا أسرة واحدة، والتعايش الناجح هو نتيجة التعلم والإستفادة من تنوع المجتمع[10]“.

لقد شهدت الحوزة (الحلقات الدراسية اللاهوتية الإسلامية الشيعية)، على المستوى الجامعي، عودة قوية لالتحاق الطلاب بالمدارس وفق مكانتهم المحترمة منذ نهاية نظام صدام[11]. يشير وجود الشعبية المتزايدة في هذا المجال من الدراسة إلى أن الطلاب الذين يرغبون في تطوير فهم شامل للتفسير القرآني ومجموعة متنوعة من المنظورات اللاهوتية والتاريخ الديني يشعرون بقدر أكبر من الحرية في دراسة هذه المواضيع. إن وجود الرغبة العارمة الشعبية في الالتحاق بتلك الجامعات يظهر التناقض الصارخ مع الممارسات القمعية لصدام فيما يتعلق بالتربية الدينية واللاهوتية، والتي كانت غالباً ما تثبط الطلاب الشيعة عن الالتحاق بهذا المجال من الدراسة، أو تجبرهم على البحث عن أماكن تعليمية خارج العراق. لقد شهد معهد “النجف” لتعليم اللاهوت، على وجه الخصوص، ارتفاعاً هائلاً في عدد الطلاب، بما في ذلك التحاق الطلاب من الأسر ذات النفوذ الديني والسياسي، وكذلك المئات من الطلاب الذين انتقلوا من معهد “قم” في إيران. قال أحد الطلاب الذين حضروا الحوزة في “النجف”: “لدي حرية أكبر في أنشطتي التعليمية في النجف. لا أحد يجبرني على تبني رأي سياسي محدد”[12].

تماشياً مع السماح لمعهد “النجف” بحرية الآراء السياسية واللاهوتية لطلابه، تقول كلية التربية في جامعة الأنبار الكائنة في العبيدي أن “التعليم والمعرفة الأفضل بالإسلام ضروريان للحد من التطرف”، وتهدف الكلية إلى توفير تعليم جيد لطلابها من أجل مساعدتهم على محاربة آيديولوجيات داعش المتطرفة التي سيطرت على المنطقة ذات يوم[13].

ولقد أظهرت أعداد كبيرة من مؤسسات التعليم العالي دوافع مماثلة، مثالها كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأنبار، والتي تنص من بين أهدافها على: “إيجاد أشخاص فاعلين في مختلف المجالات، وتشجيع قيم التمسك بالإيمان … وبعيداً عن التطرف من أجل تطوير شخصية أكاديمية إيجابية ومتوازنة قادرة على التفاعل مع التغير في البيئة المعاصرة”[14].

ومع ذلك، فإن المعاهد التعليمية الرسمية ليست هي المجموعات الوحيدة التي تشارك في تنمية تربية دينية وحوار إيجابيَين ومثمرين. فقد قامت مجموعة متنوعة من المنظمات غير الحكومية الدولية بإشراك الجهات الفاعلة المحلية – بما في ذلك المهنيين والشباب – لغرض توفير أماكن للمناقشات حول محو الأمية الدينية وفرص مبادرات الأديان. من بين هذه المنظمات غير الحكومية كانت “مبادرة الأديان المتحدة – الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، التي تعمل على إنشاء دوائر تعاون تهتم بتقاطع الدين مع المواضيع الهامة مثل التعليم وقيادة الشباب وحل النزاعات[15]. تقوم “مبادرة الأديان المتحدة” بتسهيل نشوء العديد من دوائر التعاون في العراق، بما في ذلك دائرة “شباب العراق للحوار والتعايش”. توفر هذه الدائرة أماكن وورش عمل للشباب العراقي لتطوير مهارات التواصل الخاصة بهم مع أقرانهم من هويات دينية أخرى، وتحسين إلمامهم الشخصي بالدين، والتعاون في إيجاد حلول مبتكرة للنزاعات الدينية والثقافية[16].

إن اعتراف المنظمات غير الحكومية بأهمية تعزيز محو الأمية الدينية والتربية الدينية، الذي يعد مفيداً لجهود تحويل الصراع – واستعداد هذه المنظمات لإشراك الطلاب وأعضاء المجتمع المحلي كلما كان ذلك ممكنًا – يمثلان خطوة قيمة نحو مستقبل متفائل للعراق. إنه لمن المتوقع أن تساهم المعرفة والمهارات المشتركة، للمهنيين المدرَبين مع الطلاب العراقيين الموهوبين الذين يتوقون للمشاركة في تغييرات إيجابية في العراق، في ازدهار النظم المدرسية والنتائج التعليمية، داخل وخارج الفصل الدراسي.

وفي الوقت الذي لا يزال من الواجب فيه بذل جهود وحركات وسياسات ذات شأن لاستعادة نظام التعليم المرموق في العراق بالكامل، فإن التطورات الأخيرة في التربية الدينية والخطابة اللاهوتية في الفصل الدراسي تشير إلى مستقبل يبعث على الأمل لجيل العراق القادم. تشير الزيادة التدريجية في عدد المواد الدراسية التي تعلم الطلاب عن الديانات الأخرى، في المستويين الابتدائي والثانوي، إلى زيادة في القيمة المتمثلة في غرس المعرفة الدينية والتعايش. إن التزامات وزارة التعليم الشفهية والمكتوبة بخلق متعلمين مستقيمين أخلاقياً ومبتكرين مدى الحياة تساهم بشكل مفيد في الجهود التي تركز على دمج التسامح الديني والهوية الوطنية الموحدة في الفصل الدراسي. أما على المستوى الجامعي، فإن تجدد شعبية التعليم اللاهوتي والدراسات الدينية سيتيح لعدد أكبر من الشباب تعليم أنفسهم (وغيرهم) عن مجموعة متنوعة من التفسيرات المستنيرة للنصوص الدينية، وكذلك عن كيفية دمج الآراء الدينية المعتدلة و القيم بشكل سليم في مجتمع يؤول في طريقه إلى الشفاء. من خلال هذه الأهداف والقيم، لقد وضع العراق نفسه بثقة على طريق تصاعدي يفهم التعليم كوسيلة يمكن من خلالها منع التطرف العنيف، ورؤية التنوع في مجتمعه الوطني كواحدة من المقومات الإيجابية.

 


[1] UN General Assembly, “Plan of Action to Prevent Violent Extremism,” United Nations (24 December 2015).

الجمعية العامة للأمم المتحدة، “خطط فعلية لمنع التطرف العنيف”، الأمم المتحدة (24 ديسمبر/كانون الأول 2015).

[2] UNESCO Office for Iraq, “Literacy and Non-Formal Education in Iraq,” UNESCO (2017).

مكتب اليونيسكو في العراق، “محو الأمية والتعليم غير الرسمي في العراق،” اليونيسكو (2017).

[3] Lazgin Barany, “Teaching of Religious Education in Iraqi State Schools and the Status of Minorities in Iraq: A Critical Review,” International Journal of Arts & Sciences (2013), 454.

لازجين باراني، “تعليم التربية الدينية في المدارس الحكومية العراقية وحال الأقليات في العراق: مراجعة نقدية،” الصحيفة الدولية للفنون والعلوم (2013)، 454.

[4] Margaret Wenger, “The Educational System in Iraq: An Overview,” NAFSA (August 2016).

مارجريت وينجر، “النظام التعليمي في العراق: نظرة عامة،” رابطة المعلمين الدوليين (أغسطس/آب 2016).

[5] Shelly Kittleson, “Education and Religion to Fight IS Mentality in Anbar,” Al-Monitor (17 April 2019).

شيلي كيتلستون، “التعليم والدين لمحاربة عقلية الدولة الإسلامية في الأنبار،” المونيتور (17 أبريل/نيسان 2019).

[6] UNESCO International Bureau of Education, “Iraq,” World Data on Education (2010-2011), 7th ed, 7-9, 11-12, 14-17.

المكتب الدولي للتعليم في اليونيسكو، “العراق،” بيانات عالمية عن التعليم (2010-2011)، العدد السابع، 7-9، 11-12، 14-17.

[7] Barany, 457.

باراني، 457.

[8] The presence of religious studies courses other than Islamic studies exists primarily in Iraqi-Kurdistan, which is generally known for having more religiously, ethnically, and linguistically diverse student bodies. (Barany, 462.)

وجود مواد الدراسات الدينية غير الدراسات الإسلانية بشكل رئيس في كردستان العراق، والذي يعرف عموماً بتفوقه في تنوع الطلاب الديني والعرقي واللغوي. (بارانيـ 462.)

[9] Saad Solloum, “Christian School in Basra Welcomes Muslim Students,” Al-Monitor (30 November 2017).

سعد سلوم، “مدرسة مسيحية في البصرة ترحب بالطلاب المسلمين،” المونيتور (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017).

[10] Solloum.

سلوم.

[11] Dorsa Jabbari, “Iraq’s Islamic Seminaries Revive since Saddam Hussein’s Death,” Al Jazeera (9 May 2019).

دورسا جباري، “عودة المعاهد الدينية في العراق بعد وفاة صدام حسين،” الجزيرة (9 مايو/ أيار 2019).

[12] Ali Mamouri, “Students at Qom Seminary are Leaving for Najaf,” Al-Monitor (10 October 2018).

علي المعموري، “الطلاب في معهد قم يغادرون إلى معهد نجف،” المونيتور (10 أكتوبر/تشرين الأول 2018).

[13] Kittleson.

كيتلستون.

[14] College of Islamic Studies, “College Vision and Mission,” University of Anbar.

كلية الدراسات الإسلامية، “رؤية الجامعة ومهمتها،” جامعة الأنبار.

[15] United Religions Initiative, “URI MENA.”

“.URI MENAمبادرة الأديان الموحدة، “

[16] United Religions Initiative, “Iraq Youth for Dialogue and Coexistence CC,” URI MENA.

مبادرة الأديان الموجدة، “شباب العراق من أجل الحوار والتعايش،” يو آر آي مينا.

 

Partager cette publication