من أزمة المناخ إلى أزمة التعايش مع الكائنات الحية: كيف يتم فض الخلاف بين الإنسان والطبيعة؟

من أزمة المناخ إلى أزمة التعايش مع الكائنات الحية: كيف يتم فض الخلاف بين الإنسان والطبيعة؟

بقلم يائيل بيتر Français | English

الصورة: الإنسان و الطبيعة © Agim Sulaj

“تغير المناخ”، “فقدان التنوع البيولوجي”، “زيادة خطر التوتر” و”الخلاف” هي مصطلحات شائعة الاستخدام، لكن التفسيرات المقدمة للروابط بين هذه الظواهر ليست قاطعة. ويقوم عدد متزايد من الباحثين بتحليل الروابط بين المناخ وزيادة خطر الخلاف، والسلام، ويسلطون الضوء على حقائق مهمة، مثل حقيقة أنه عند نشوء التوترات، يميل المناخ إلى أن يكون عاملا وليس سببا للصراع. وعلى الرغم من أهميتها، فإن هذه التحليلات تستند إلى نموذج ثنائي بين الإنسان والطبيعة وتركز على الخلافات حول تقاسم الموارد: فتغير المناخ يخلق ضغوطا بيئية، مما يغير الوصول إلى الموارد ويؤدي في بعض الحالات إلى الخلاف.

ثمة طريقة أخرى للنظر إلى المشكلة وهي اتباع نهج أكثر شمولية ونظامية، مع ملاحظة عدم التوازن بين تصرفات الإنسان واستجابات الطبيعة. عندما يتم استغلال الموارد بشكل مفرط، فإن الضرر لا يقتصر على التنوع البيولوجي، بل يصبح النظام المعقد بأكمله غير متوازن. وتوضح مشكلة انقراض النحل الترابط الحيوي بين الأفعال البشرية وغير البشرية: إذ يحتاج البشر إلى هذه الملقحات من أجل البقاء، ويحتاج النحل إلى البشر حتى لا يدمروا موطنهم لكي يتمكنوا من الاستمرار في العيش. لذلك، لم يعد الأمر يتعلق بتحليل تأثير أفعال الإنسان على الطبيعة، بل بفهم النظام الذي تعيش فيه هذه الطبيعة، هذا المخلوق، ليس من أجل حمايته أو السيطرة عليه من خلال استغلاله، بل من أجل ترجمة هذا النظام إلى لغة بشرية حتى نتمكن من الحوار والتعايش.

ينظر النهج الثالث إلى الخلافات بين الطبيعة والبشر من حيث الترجمة والتواصل. فيتم استبدال مصطلحي “الإنسان” و”الطبيعة” بمصطلحي “الكائن الحي البشري” و”الكائن الحي غير البشري”. فبدلا من تصور العلاقات العمودية بين الإنسان والطبيعة، حيث يكون الإنسان في الأعلى وبقية الكائنات الحية في الأسفل، يتيح لنا هذا النهج الثالث إعادة صياغة مفاهيم معينة من أجل تصور العلاقات الأفقية بين الكائنات الحية على هذا الكوكب، و “إعادة التفكير في هويتنا من حيث العلاقات الأفقية مع الكائنات التي تتعايش معنا” كما يقترح مايكل كرونين (يومية Le Temps، 22 مارس 2022). نحن نتحدث عن كائنات غير بشرية، تشاركنا العيش على كوكبنا، تنتفض وتطالب بأن نتفاوض على الأسباب المشتركة للأزمة التي نمر بها، وأن نشكل تحالفات حيوية ونتواصل من أجل إيجاد الظروف العملية للتعايش الأمثل.

نحن بحاجة إلى “تعايش دبلوماسي”، يعرفه بابتيست موريزو بأنه “نوع من السردية، والخيال الملائم، يخبرنا عن نوع العلاقة التي يجب أن نتخيلها مع كائنات لم تعد مجرد موارد أو أشياء، والتي تتشابك معنا بشكل لا يمكن تمييزه، دون أن تفقد اختلافها” (تحالفات جديدة مع الأرض، Tracés, 33, 2017). إن الدبلوماسية، أو الدبلوم في اللغة اليونانية القديمة، تعني “مطوية إلى قسمين”. فيمكن النظر إلى الدبلوماسي على أنه الشخص الذي يقف على الواجهة بين طرفين غير متجانسين، مما يتيح التواصل “من عالم إلى عالم، ومن طريقة وجود إلى طريقة وجود”، على حد تعبير موريزو. يجب أن يعرف هذا الشخص لغة مشتركة، وأنماط ورموز اتصال مختلفة، أو أن ينشئها في حالة عدم وجودها. ويمكن اعتباره مترجما أو دبلوماسيا أو وسيطا. ودوره هو إقامة حوار بين طرفين لا يمكنهما التعايش. في النهاية، يترجم هذا الشخص رؤيتين للعالم ويوفر الأدوات اللازمة لتحويل الخلاف وفضه.

هل نعيش أزمة بيئية ومجتمعية؟ أم أننا نعيش أزمة في علاقتنا مع غير البشر؟ إذا تناولنا المشكلة من خلال النموذج الثاني، أي الأزمة في علاقتنا مع غير البشر، فإن نهج ترشيد الخلاف يصبح مركزيا. يمكن تعريف الخلاف بأنه تناقض حقيقي أو متصور بين أهداف الأفراد أو الجماعات سواء من حيث المصالح أو القيم. وإذا تركت الخلافات دون معالجة، فإنها يمكن أن تتحول إلى عنف. ومن المفيد توسيع هذا التعريف ليشمل الخلافات بين الكائنات الحية البشرية والكائنات الحية غير البشرية. وفي هذا السياق يمكن أن نفكر بالوساطة الداخلية، حيث يكون الإنسان وسيطا داخليا في الخلاف. وسيتعين عليه حينئذ أن يرتدي قبعتين، حيث ينحاز إلى أحد الجانبين حينا، ويكون محايدا في دوره كوسيط حينا آخر.

هل يمكن تصور مثل هذا الدور، وهذا الالتزام في الخلاف بين الكائنات الحية البشرية والكائنات الحية غير البشرية؟ وكيف يمكن أن يتجسد هذا الالتزام على أرض الواقع؟ هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة إذا أردنا منع هذا الخلاف من التدهور إلى عنف لا يمكن السيطرة عليه والتحول إلى تهديد وجودي لجميع الأطراف.

يائيل بيتر

ماي 2024

اقرأ المقال الكامل

Share this post