تقرير الحالة العامة في المغرب

تقرير الحالة العامة في المغرب

الحكم – الحكامة – الاقتصاد – الثقافة والهوية في المغرب خلال العشر أشهر الاخيرة من سنة 2014

بقلم: محمّد عبد الوهاب رفيقي

الحكم – الحكامة – الاقتصاد – الثقافة والهوية في المغرب خلال العشر أشهر الاخيرة من سنة 2014

بقلم: محمّد عبد الوهاب رفيقي

يجمع كل الفاعلين السياسيين في المملكة،أن بلدنا في مرحلة انتقال على مختلف الاصعدة، و يظل الاختلاف بين كل هؤلاء الفاعلين في تقدير سرعة وحاجة وأولوية الاختيارات التي يحتاج المغرب لخوضها في المجال السياسي والاقتصادي ، فابتداءا من اشارات ومضامين الخطب الملكية التي اقتربت كثيرا من واقع الاشكاليات الكبرى، ومرورا بالتغير الجذري في تزايد اهتمام الشباب بالشأن العام وبأساليب ومبادرات لم تكن معروفة في سنوات الركود السياسي وليس انتهاءا بالوضع السياسي البئيس لأغلب الأحزاب والهيئات السياسية التي لم تتفوطننا يعيش حالحاجة ماسة لمزيد من التحول، أولا من أجل تجاوز مكانه المتأخر اقتصاديا واجتماعيا في ذيل التصنيفات في تقارير الدولية، وثانيا لتطوير الفعل السياسي والاقتصادي والثقافي المتسارع في التطور.

1 – الحكم والحكامة.. أو قطب التغيير في مصير المغرب

وبما ان تقريرنا مهتم بمحاولة فهم الفعل السياسي والاقتصادي والثقافي خلال الشهور المنقضية من السنة الجارية، فلاريب لدينا أن أهم حدث محوري هو محاولة الاغلبية الحكومية الحالية امتلاك الانسجام والتجاوب الكاف لتحقيق استقرار التواجد بين معارضة غير متجانسة واعلام حدي في أغلبه ، هذا الاستقرار الذي توجه اجتماع المجلس الوزاري الاول بعد التعديل الحكومي، وعززته طمأنة الملك لرئيس الحكومة بدعم الحكومة كما جاء في تصريح سابق للسيد رئيس الحكومة ، هذا الاستقرار ساهم فيه بشكل بالغ حالة الهدوء الطويل من الاضرابات والوقفات والمسيرات ذات المطالب الشاملة والفئوية التي طبعت المشهد السياسي المغربي منذ سنة 2011. والتركيز على الانسجام الداخلي الذي بين الاحزاب المتحالفة من خلال تقديم تنازلات كبيرة من حزب الأغلبية كما جاء في تصريح السيد نبيل بن عبد الله، في تصربح اذاعي مهم تحدث فيه عن تنازل العدالة والتنمية عن تعديلات كان على وشك ادخالها في قانون الأسرة.

– الانتقال الديمقراطي..لازال مفترق الطرق الكبير رغم استقرار عمل الحكومة

لازال عدد من هيئات المعارضة خصوصا الغير ناشطة داخل اللعبة السياسية الحزبية، يجعل من الانتقال الديمقراطي نحو ملكية برلمانية كاملة شرطا للتفاعل الجدي وبناء ثقة في التعامل مع النظام الرسمي وحكوماته، وهذا الوضع خلف نوعا من السلبية الغير مبررة من جانب تلك المعارضة من حيث الاستخفاف وتجاهل الاصلاحات المهمة الاخرى، إن على مستوى صلاحيات الحكومة او على مستوى ما تنتجه الحكومة من قرارات واجراءات.

وهذا ما خلف ركود في مبادرات وحركية هذه الهيئات وجعل من فرضية ركوبها على حركة شباب 20 فبراير أمرا قريبا إلى الصحة لولا أن هذه الهيئات كانت مكونا أساسيا في تلك الحركة. 20 فبراير التي جعلت من الأحزاب المغربية السبب الرئيس لاستدامة الاستدامة الاستبداد مما حدى بكل الاحزاب غلى ابداء التفاعل الداخلي مع حاجات الشباب إلى الديمقراطية الداخلية والفاعلية الواضحة.

في المقابل ظل دور الحكومة مقتصراعلى تفعيل هامش صلاحيات دستور 2011، ولاسيما على المستوى التشريعي المتعثر بدوره، بدعوى وجود جيوب للمقاومة داخل الدولة تعرقل سلاسة الاصلاحات التشريعية والاجرائية.

كل هذا يجعل الاصلاح في ظل الدستور الجديد للمملكة بطيئا بالنظر، ومن المزعج أيضا تصريحات بعض زعماء الحزب المشكل الاغلبية التي تتجه أغلبها لكون دورها يقتصر على المرور بالمغرب من مرحلة الخطر، دون أن يعوا ان هذا التصريح يعني أيضا انهم جسر أمان يؤمن للاستبداد عمرا أطول وظروفا أفضل لإرجاع الدولة القمعية التي بدأت تظهر اظافرها من جديد ب مواصلة اعتقالات ومنع تظاهرات.نأتي على ذكرها في محور القضاء والحريات.

– استمرار السطحية في اداء أغلب مكونات المعارضة بين استغلال قضابا المرأة و محورية المؤسسة الملكية

أمام حكومة هامش تحركها ضيق ومعاق، نجد معارضة برلمانية تشذ عن الجدية في احيان كثيرة، رغم ان المشهد البرلماني يسجل تعاونا استثنائيا خلال الأشهر الأخيرة للتسريع باصدار قوانين مهمة عبر تشكيل لجان مشتركة، إلا أن المعارضة الحزبية ظلت منذ خروج طرف اساسي من النسخة الاولى من الحكومة، مرتهنة بالصراعات الاعلامية المتبادلة، حتى صارت خياراتتها محدودة وفي احيان عدة مبتذلة واعطت للحكومة هدايا عدن من خلال الاخداث الاخيرة المؤسفة التي وقعت عقب الخطاب الملكي في البرلمان.معارضة لم يزدها تحالف الميزان والوردة سوى تنسيقا اعلاميا.

لكن الانقاذ جاء من الجبهة النقابية بعد اقدام الحكومة اصلاحات وصفت بالااجتماعية لصندوق االتقاعد سنتأتي على تفصيله في الجزء الاقتصادي من هذا العرض.

فضلا عن أن قرارات استراتيجية من قبيل خطة “حذر” و انطلاقة مشاريع ضخمة وغيرها، ظل رهن المبادارات الملكية الحصرية حتى من حيث مواعيد انطلاقها، وظلت الحكومة كأنها كتابة خاصة أكثر منها جهاز تنفيذي ممثل للأغلبية البرلمانية.

– السياسة الخارجية ..الطفرة الكبيرة

ظلت الجزائر والبوليزاريو الاسمين الاكثر تداولا في السياسة الخارجية للمملكة إلى حين أن شهدت المملكة المبادرات الملكية القوية نحو غرب افريقيا جنوب الصحراء،وتعزيز مكانة شركة تملك 53 في المائة في الشركة الفرنسية الناشطة غرب افريقيا،وأيضا ميز الأشهر الاخيرة هو العلاقة المميزة التي نتجت عن زيارة الملك محمد السادس لتونس، حيث ساهم المغرب بقوة في انجاح الانتخابات التونسية الاخيرة وانجاح مؤتمر دولي لانعاش الاستثمار في الاقتصاد التونسي.وظلت الديبلوماسية المغربية متماسكة في ادائها، باسثناء بعض الأخطاء المؤثرة التي أظهرت التباين في مواقف الخارجية وانسجامها مع الموقف الرسمي للدولة. ويمكن ان نعطي مثالا واضحا بذلك عبر ارتباك موقف المغرب من الانقلاب الذي وقع في مصر رغم اجماع الاحزاب المغربية على سوء الاختيار الانقلابي في مصر على الاقل اعلاميا.وعلى الرغم من ظهور استفزازات اعلامية متوالية من اعلام الانقلاب المصري إلا أن الموقف المغربي ظل في صمت غريب، الي حين صدور اعتذارات من الطرف المصري بعد بعض التحركات الرسمية.

عدد الدول الافريقية المعترفة بالانفصال الاستعماري الى 17 دولة فقط هذا العام.

دون ان نغفل العمل الممنهج للمغرب يحاول لنشر الاعتدال الديني لمواجهة الفكر المنتج للتطرف في بلاد أصبحت مرتعا للجماعات الارهابية.

2 – حالة الاقتصاد.. رهان السياسيين.. ومصير الفقراء

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي:

الاقتصاد المغربي يعد من أعلى الاقتصادات أداء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورغم ذلك فهو يعاني من مشاكل:

تراجع الطلب الدولي على المنتجات المغربية مضافا اليها تراجع عائدات العمال المغاربة في الخارج وأيضا تراجع مهم في اقبال أعداد السياح الأوروبيين على الخصوص. وكان من نتائج كل ذلك عجز تجاري مزمن وتراجع مخزون البلاد من النقد الاجنبي وتدني نسب النمو السنوية.

تمرير نظام المقايسة اليوم، في ظل ظرفية دولية تندر بالحرب في منطقة الخليج الشيء الذي سيقود لا محالة إلى قفز أسعار برميل النفط عاليا، مما سيجعل الحكومة تسارع برفع أسعار المحروقات بشكل اتوماتيكي محليا، وبالتالي رفع مختلف أسعار السلع والخدمات محليا.

اتمام تنفيذ سياسات المؤسسات المالية الدولية المتماثلة مع طموحات الرأسمال المحلي والدولي ومع ضغوطات صندوق النقد الدولي، محملة كاهل الطبقتين الوسطى والدنيا تبعات كافة هذه السياسات.
الشهور الاخيرة تسجل بانصاف للحكومة نجاحها المنهجي في تركيزها على ضبط التوازنات الاقتصادية من أجل تفادي الانفلات، عبر تسريع الافراج عن الكثير من قرارات دعم الطبقات الفقيرة مثل، تفعيل التعويض عن فقدان الشغل و دعم الارامل وتيسير مسطرة انشاء الشركات الصغرى، لكن اذا تصورنا ضبط التوازنات في الاقتصاد المغربي كضبط لكفتي الاغنياء والفقراء، فلازال الفقراء في هذا البلد يطالبون بالصبر في الزيادات المعلنة والتلقائية التي يتعرضون بشكل عاصف عبر تعريض قدراتهم الشرائية مباشرة لتقلبات السوق الدولي.

ولعل أخطر ما قامت به الحكومة ويعرض توافقها في ضبط التوازنات الاقتصادية للخطر، هو اقدامها على اصلاح صنودق التقاعد،وقد سبب جدلا واسعا بين الموافق والمعارض.

ولعل ما يبعث أمل جدوى المعارضة المغربية هو عودة قدرة هذه المعارضة على تشكيل رد فعل في مستوى حماية المواطن البسيط من مثل هذا الاجراء عبر الاضراب العام الاجراء الجدي الاول للمعارضة خلا ثلاث سنوات الاخيرة.
ونسجل بارتياح كبير حيوية المجتمع المدني المهتم بقانون الانتخاب القادم، وتطلع أغلبية الفاعلين لقانون انتخاب يعكس الارادة الحقيقية للناخبين، عبر تحجيم دور الداخلية في العملية الانتخابية رغم تسجيل الشفافية الواضحة في العمليات الانتخابية منذ 2002.

3 – القضاء والحريات

– القضاء: والبداية الطويلة للإصلاح.

هناك ارتياح للقرارات الجريئة لوزير العدل وقرارات لقضاة ابطلوا تحقباقات في محكمة كلميم بشبهة التعذيب، إلا أن هذه القرارات لا تعدو ان تكون اشارات ايجابية أمام تطلعات المواطنين لظام قضائي مستقل تماما وادعاء عام نزيه وتثبيت آليات قوية للرقابة.

لقد تطور العمل القضائي في المغرب بشهادات دولية، لكن لازال الجميع يرى ان قدرة القضاء لاتزال منتقصة بالنظر إلى حدث خطير في عزل قاض من لدن مسؤول في السلطة التنفيذية ما يجعل تطلع الحكومة لاستقلال القضاء محل تساؤل.

وبالنظر إلى اشغال الحوار الوطني التي اقامته وزارة العدل لصياغة ميثاق واجماع وطني حول مشروع اصلاح شامل للقضاء، يسجل بأسف محاولات اجهاضه انسحاب عدد من القضاة من حوار نراه مصيريا لبناء مجموعة الأسس المتوافق عليها، وان أثمن ما يمكن أن يحصل عليه المغرب في هذه المرحلة هو اصلاح قضائي شامل ينبع من الفاعلين القضائيين أنفسهم.

– الحريات:

بعد ثلاث سنوات من تقلد الحزب المشكل للأغلبية مكانه، لم تخرج أحد اهم القوانين التي يتطلع المناضلون والحقوقيون الشرفاء في هذا البلد لخروجها انصافا وحماية لمجهودهم في النضال من اجل حقوق الانسان والحريات. قانون الجمعيات وقانون الصحافة، وبعد صدور المدونة الرقمية التي لقيت رفضا واسعا يبدو الحكومة تسعى لتجاوز غضب ووعي بالحقوق والحريات غير مسبوق في صفوف الشباب الذي ينشط ولسيما في الاعلام الاجتماعي البديل.

إن من يتابع وضع المغرب على مستوى الحريات، لا بد أن يعبر عن قلقه البالغ من منع السلطات العمومية لنشاط العديد من الهيئات الحقوقية العريقة في المغرب، ولسيا الجمعية المغربية لحقوق الانسان التي يبدو أننا تتعرض حاليا لقرار واطني بالتضييق على انشطتها، اضافة إلى اضرار مركز اين رشد إلى حل جمعيته بسبب تواصل التضييقات السلطوية انشطة المركز ذات البعد الفكري التنويري.

يسجل أيضا وقوع بعض الاعتداءات والاعتقالات التعسفية التي تمارس بمختلف سجون المملكة” وتكريسا لـ”أشكال العنف والتمييز” ضد من يوصفون بالمعتقلين الإسلاميين، فيب ظل غياب رؤية واضحة لتسوية هذا الملف، ولا زالت تتوالي الاضرابات عن الطعام داخل السجون المغربية احتجاجا على الوضع المتردي داخلها أولا ثم عدم قدرة الحكومة في انهائه بسبب تداعيات ما يقع في سوريا والتحاق عدد كبير من المغاربة بتنظيم داعش.

– أثر الانقلاب في مصر على الأوضاع بالمغرب

الانقلاب العسكري في مصر ..وانعكاساته على السلوك السياسي في المغرب.

منذ لحظة انتصار الثورة التونسية، ظل المغرب متأثرا كبيرا بالربيع العربي، سواء من خلال الحركات الاحتجاجية التي توحدت في خروج كبير ومفاجئ لكل الفاعلين التقليديين يوم 20 فبراير 2011.

منذ ذلك اليوم ظل تقلب تونس ومصر بالأخص بين الديمقراطية والفوضى، ينعكس في سلوك جميع السياسيين في المملكة التي ظلت تاريخيا محافظة على خصوصيتها السياسية لقرون عن الشرق المغاربي والعربي، ولكن بتأثر كبير من حيث استيحاء الحلول والتنظيرات. كان المثل الاقوى على ما رصدناه هو الانقلاب العسكري في مصر وارتداده على سلوك المغاربة السياسي.

لم يكن التعبير المباشر عن الموقف من الانقلاب العسكري في مصر على دلالته سوى ظاهرا بسيطا غير بليغ مقارنة بالسلوك العملي و المواقف التي تغيرت وقلبت موازين الضغط، بسبب انقلاب موازين الوضع السياسي في مصر.

دعوة المغرب لاحترام الديمقراطية، ورفض اللجوء إلى الحلول العسكرية لحسم الاختلاف، لا تبدو متماسكة مع اعترافه السريع بانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وتواتر أصوات رسمية من مصر بأن المغرب من البلدان القلائل التي دعمت الانقلاب، بدعم ما يسمى خارطة الطريق التي وضعها العسكر بديلا عن خارطة الطريق التي تم التوافق فيها مع الاخوان بعد سقوط حكم مبارك.

الغريب في انعكاس الاحداث المصرية على المغرب هو مدى النسخ وتمثل مواقف الاطراف السياسية في مصر على مواقف وسلوك السياسيين المغاربة، بحيث رفض الاسلاميون المغاربة الانقلاب في مصر جملة وتفصيلا مع تعديل كبير في مستوى التحدي عند العدالة والتنمية أمام خصومها حيث اختارت الرضوخ في ذلك الوقت لشروط الأحزاب التي طالبها رئيس الحكومة بترقيع حكومته التي انسحب منها حزب الاستقلال، بعد صعود نفوذ وتأثير حميد شباط في حزب الاستقلال ومحاولة ركوبه على موجة الارتداد على الربيع العربي.

يبدو أن الامر كان مقررا بقوة لإضعاف حكومة صعدت بعد عاصفة حركة 20 فبراير وهو الحزب الذي ظل ممنوعا من تحقيق طموحه بقرار رسمي إما بتحديد مقاعد ترشحه كما وقع في 2002 أو بعزله عن أي تحالف كما جرى في 2007.ولا يمكن بأي حال ان يطمح لأغلبية مطلقة نظرا لطبيعة قانون الانتخابات الذي يمنع من الحصول على الاغلبية المطلقة وقرارات التقسيم الانتخابي التي تهدف إلى تثبيت حالة تشتيت الأصوات.

نستطيع القول أن الانقلاب في مصر أضعف كثيرا ثقة المجتمع المغربي في تحسن الاوضاع السياسية وتحررالعمل السياسي من تحكم الدولة العميقة المحكم في الشأن العام، وقد التقطت جهات قوية كامنة في الدولة وخارجها هذا التحول في الرأي العام المجتمعي، لاستثماره في ظرف حرج انتهي في الشهور القليلة الماضية الي تشكيل حكومة لا تنصف الحزب المشكل لها، إضافة إلى تمرير قوانين لا تعبر عن توجه الحزب ووعوده الانتخابية.

 

Share this post