حرب أهلية بين طالبان؟

حرب أهلية بين طالبان؟

بقلم عزير خان

انتقدت في الآونة الأخيرة شخصيات بارزة في طالبان الحظر المفروض على تعليم الفتيات، بما في ذلك عبد السلام حنفي، نائب رئيس الوزراء في حركة طالبان، الذي قال: “لا يمكننا تطوير البلاد إلا بمؤسسات تعليمية عالية المستوى. لا تتمثل مسؤولية زعيم ديني في إخبار الناس عن المحظورات فقط، لكن أيضًا في تحديد الحل”1. وصرّح سراج الدين حقاني، رئيس الوزراء، مؤخرًا: “فليسمع الجميع ما أقول. لا ينبغي لأحد أن يمتلك قدرًا من القوة والسلطة تمكّنه من انتهاك حقوق الأشخاص الذين ينتفع منهم. لم يعد من الممكن تحمّل ذلك”2. كما قال الوزير البارز في طالبان شهاب الدين ديلاوار في ذكرى الانسحاب السوفيتي: “يجب أن يستمع النظام إلى المطالب المشروعة للشعب ويدعمها”3. وهو يردّد بعض الانتقادات السابقة، وأبرزها انتقادات عباس ستانيكزاي، نائب وزير الخارجية، الذي صرّح: “يجب أن يكون الحاكم قريبًا من شعبه. إذا كان بعيدًا عنهم فسيفرض قرارات غير عادلة”4. وردًا على هذه التصريحات، قال والي قندهار، محمد يوسف وفا: “على الجميع قبول واتباع كل أمر ومرسوم يصدره المرشد الأعلى الشيخ هبة الله آخند زاده لأننا جميعًا بايعناه في المنشط والمكره.5

والأهم من ذلك، قال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الإمارة الإسلامية، في حفل حضره أساتذة جامعيون: “وفقًا للمبادئ الدينية، يمكن لأيّ شخص أن ينتقد بغرض الإصلاح”. لكنه أضاف بعد ذلك: “إن طريقة النقد، باتباع التوجيهات الأخلاقية، هي أنه إذا كان هناك شخص ما ينتقد الأمير، أو شخص مسؤول، أو وزير، أو نائب وزير، أو مدير، فإن الأخلاق الإسلامية تشير إلى أنه من الأفضل عدم تشويه سمعته، واحترام كرامته. يجب الاقتراب منه بطريقة آمنة وسرية ومحمية، حتى لا يسمعه أحد، ثم يُقدّم النقد، وذلك من الأخلاق الإسلامية السامية”. وأخيراً، ذكر أنه إذا وُجّه النقد باحترام، فعندئذٍ: “ينبغي على مسؤولي النظام التحلي بالصبر للاستماع إلى انتقادات الناس وأسئلتهم.6

وقد دفعت هذه التصريحات بعض الصحفيين إلى التنظير بأنّ هيبة الله آخند زاده قد تتمّ الإطاحة به أو ستكون هناك اشتباكات مسلحة بين طالبان، كما ذكر الصحفي الأفغاني المؤثر بلال سرواري على تويتر: “ما بدأ كهمسات وإشاعات عن انقسامات داخل الرتب قد تحوّل الآن إلى أسلحة كلامية لينة تحدث خلف الميكروفونات. كم من الوقت قبل أن توجّه الأسلحة الفعلية إلى بعضها البعض.7

ليس سرًا أن طالبان ليست جماعة متجانسة. فالبعض، مثل هبة الله آخند زاده ودوائره المقربة، يريدون فرض نفس القيود الاجتماعية التي كانت موجودة قبل عشرين عامًا. وآخرون، مثل سراج الدين حقاني، هم أكثر انفتاحًا في العديد من القضايا المجتمعية. هذا الانقسام معروف وموجود منذ سنوات عديدة. وأولئك الذين يؤيّدون قرارات هبة الله آخند زاده هم الجنود الذين أمضوا السنوات العشرين الماضية في القتال ويشعرون أنه يحق لهم فرض آرائهم. ومن ناحية أخرى، فثمّة في طالبان من سافر إلى الخارج وأصبح أكثر تعرّضًا لطرق تفكير مختلفة، مثل محمد عباس ستانيكزاي، الذي شارك في اتفاقية الدوحة. وعلى الرغم من مناصبهم الحكومية، لا يمكنهم فعل الكثير لأنّ الكلمة الأخيرة لهبة الله آخند زاده.

لا بد أن تسبّب هذه الآراء المختلفة بعض التوتّرات. لكن بلال سرواري وغيره من الصحفيين ذوي التفكير المماثل لم يأخذوا في الاعتبار الفكر الديني في تحليلهم.

فأيًا كان قرارهم، يجب على طالبان التصرّف في إطار إسلامي محدّد. فيما يتعلق بالإدارة اليومية، تمتثل طالبان العِلم الديني المسمّى السياسة الشرعية، الذي يمكن تعريفه على أنه إدارة شؤون المجتمع وفقًا للشريعة. ويتعامل هذا العلم، على سبيل المثال، مع الشروط التي يجب أن تتوفّر في شخص ما ليصبح قائدًا. يُطلق على الدليل الإداري المميّز للإمارة الإسلامية اسم “الإمارة الإسلامية ووظائفها”، الذي كتبه رئيس رئيس المحكمة العليا عبد الحكيم حقاني. وتتشابه محتويات هذا الكتاب بشكل لافت مع نصوص أخرى في هذا المجال كُتبت منذ قرون. في هذا الصدد، ليس من المستغرب أن تستمر طالبان في التأكيد على المفاهيم التقليدية مثل “البيعة” أو “الأمير” الذي له الكلمة الأخيرة في جميع الأمور. علاوة على ذلك، يفحص عبد الحكيم حقاني في كتابه بدقة الحالات التي يمكن للمستشارين وللشعب أن يستبدلوا فيها القائد الفعلي.

وفيما يلي قائمة غير شاملة بالحالات:

• إذا أرتكب الكفر البواح؛
• إذا ارتكب الكبائر؛
• إذا أرغم الناس على عصيان جوانب من الدين؛
• إذا اغتصب أموال الناس؛
• إذا فقد عقله؛
• إذا أصيب بإعاقة جسدية تمنعه من أداء واجباته8.

عند وقوع إحدى هذه الحالات، يمكن للمندوبين من المجتمعات المختلفة التحدث إلى القائد ومطالبته بالتنحي. وإذا لم يفعل، فإن هؤلاء الممثلين من الناحية الفنية لديهم الحق في إزالة هذا الأمير بالقوة، لكن فقط إذا كانت مصالح القيام بذلك تفوق المفاسد. وهذا الشرط الأخير أمر بالغ الأهمية. إنه ينبع من حقيقة أن التقليد الإسلامي براغماتي للغاية في هذه القضية. فخلال القرنين الأولين للإسلام، حارب العديد من المفكرين الإسلاميين العظماء قادة معروفين بقمع مواطنيهم. ومع ذلك، فإن معظم هذه المحاولات للإطاحة بالحكام أسفرت عن ضرر أكثر من نفعها. ونتيجة لهذا الإدراك، ذكر عدد كبير من العلماء أنه يوجد الآن إجماع (متنازع عليه) على أنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم ما لم يتم استيفاء شرطين:

1. إتيانه بالكفر البواح؛
2. إمكانية الإطاحة به دون التسبب في إراقة دماء كثيرة9.

ولم تلتزم طالبان بهذا الإجماع إلا جزئيًا، حيث صرّح عبد الحكيم حقاني أن هناك أسبابًا أخرى غير الكفر يمكن أن تسمح بالإطاحة بالزعيم. ومع ذلك، يمكننا أن نرى أن رئيس القضاة يشارك هذه البراغماتية، حيث أكّد مرارًا وتكرارًا أنّ عزل الحاكم لا ينبغي أن يؤدي إلى ضرر أكبر، وذكّر المسلمين مرارًا وتكرارًا بالتحلي بالصبر في مواجهة الظلم وأنهم إذا لم يتمكنوا من تحسين الوضع بالقوة، فعليهم على الأقل التنديد بما يحدث بقلوبهم، مستشهدًا بعدة روايات منسوبة إلى الرسول (ص)، يقول فيها أنّ الأشرار سيحكمون المسلمين فيصبرون.

بناءً على حجة عبد الحكيم، سيكون من الصعب القول إن طالبان تريد إزالة آخند زاده بالقوة. في الواقع، بالنسبة لمعظم طالبان، فإنّ الكثير من معاناة الأفغان هو خطأ الغرب. وحتى لو نظر الطالبان باستبطان واعترفوا بأنّ قرارات آخند زاده تسبّبت بشكل مباشر في بعض المشاكل، فإنّ قراراته المشكوك فيها لم ترقَ إلى مستوى عدم أهليته وفقًا للحالات المذكورة أعلاه.

وخير مثال على ذلك الجدل حول تعليم الفتيات، وهو المصدر الرئيسي للاستياء في صفوف طالبان. فحتى هذه القضية لا يمكنها نظريًا أن تحرم آخند زاده من أهليته. حيث يذكر عبد الحكيم حقاني بإيجاز أنه إذا اتخذ الحاكم قرارًا يؤدي إلى اضطهاد شعبه بناءً على تفسير ديني خاطئ، فلا ينبغي الإطاحة به10. وقالت حركة طالبان مرات عديدة أن قرارها بمنع الفتيات من الذهاب إلى المدرسة متجذّر في رؤية دينية معينة.

ولنفترض أن طالبان شعرت بأنّ قرار آخند زاده كان سيئًا بما يكفي للطعن فيه. يبقى أن نرى ما إذا كانت فوائد “الانقلاب” المحتمل تفوق الأضرار. مع العلم بالمأزق الذي يجد طالبان أنفسهم فيه، فالصراع سيكون مدمرًا للغاية. وكل جهودهم حتى الآن ستذهب سدى، إذ من المرجح أن ينهار الوضع الأمني بشكل كارثي. فعلى الرغم من الإحباط الواضح لبعض أعضاء طالبان، لم يُعرف بعد عدد الغاضبين الذين يريدون التغيير، لذلك من المستحيل الحكم على مدى انتشار الانتفاضة.

تدرك طالبان أن معارضتها تنتظر منها زلة قدم. وحتى العلماء التقليديون انضموا إلى المعارضة. فعلى سبيل المثال، عبد ربّ الرسول سياف، أحد القادة الرئيسيين المقاتلين ضد السوفييت وأحد معارف بن لادن، حثّ جبهة المقاومة الوطنية، بقيادة نجل أحمد شاه مسعود، على مواصلة نضالها. إنّ أداء حكومة طالبان يشبه أداء دولة هوبز، فطالبان تريد دولة موحّدة قوية، على أساس العقود السابقة من الحرب، حيث يجب عدم تحدّي الحاكم الذي يسيطر على الأمور والدينية والدنيوية على حد سواء حتى لا يعود السكان إلى طبيعتهم العنيفة وغير الأخلاقية في “غياب الشريعة”.

يؤكد حسن عباس في كتابه الأخير “عودة طالبان: أفغانستان بعد الأمريكيين” على الحاجة إلى الوحدة. ويقول بخصوص الخلافات داخل طالبان:

“إنّ ديناميكياتهم تذكرنا بالمافيا الإيطالية، حيث تتسرّب المنافسات إلى المستويات العليا. ومع ذلك، فإنها تتوقّف عند هذا الحد – فهذه ليست انقسامات يمكن أن تصبح أي شيء أكبر من مواقف التفاهة والغيرة الطفولية. إنهم لن يخاطروا بالانفصال لأنهم يعلمون أن هناك فائدة أكبر بكثير في التواجد في المجموعة من كونهم منفصلين وبالتالي معرّضين للخطر، مع عدم وجود إمكانية وصول ضرورية. خلال عطلة نهاية الأسبوع، قد يرسلون جواسيس لمراقبة كل تحركات بعضهم البعض، ولكن عندما يأتي يوم الاثنين مع تهديد معيّن، تجدهم يتّحدون مرة أخرى، يدًا في اليد. في نهاية المطاف، يعمل إحساسهم بالأخوّة كحجاب – مهما كان رقيقًا – للحماية من أيّ عداء حقيقي”11.

دعونا لا ننسى محنة “تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان”. فطالبان تعتبر هذا الفصيل من أتباع الخوارج. وظهرت هذه المجموعة بعد وفاة النبي محمد (ص) وانقطعت عن غالبية المسلمين لأنّ العديد من المسلمين، حسب الخوارج، قد وقعوا في الكفر. لذلك جاز قتل هؤلاء “الكفار”. ويمتلك مؤيدو قرارات هبة الله آخند زاده سلاحًا قويًا تحت تصرّفهم: يمكنهم بسهولة وصف أعضاء حركة طالبان الذين يصرّحون بعد عدم الرضى بأنهم يتسبّبون في “فتنة” على غرار “تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان”، وبالتالي فهم يثنون الأعضاء الساخطين عن فكّ روابطهم. لفهم ما يعنيه أن تحمل صفة الخوارج حقًا، فذلك يشبه أن يتم وصفك بالشيوعية في الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن الماضي. إذن ليس من المستغرب أن يقول أعضاء فصيل هبة الله مرارًا وتكرارًا أنّ أيّ شخص يتحدّث ضد الأمير يجب أن يُقتل12. على سبيل المثال، قال ندى محمد نديم، وزير التعليم العالي في طالبان: “أي شخص يضعف النظام (طالبان) سواء بالقول أو بالقلم أو بالفعل، فهو متمرّد ويجب قتله.13

يأتي هذا الحكم القاسي من حقيقة أنهم يساوون مثل هذا الفعل بسلوك الخوارج. ومع ذلك، فعند قراءة مثل هذه التصريحات، لا ينبغي أن نأخذها بظاهرها، بمعنى أنهم سيقومون فعليًا بتطهير الأصوات المعارضة مثل سراج الدين حقاني بطريقة ستالينية. بدلًا من ذلك، يتمّ استخدام هذه النغمة المتشدّدة لردع المعارضين وإبقاء التوترات داخلية.

في كتابه، لم يكن عبد الحكيم حقاني واضحًا في حكم انتقاد الحاكم المسلم علانية دون نية الخروج عليه. وبالعودة إلى آثار المذهب الحنفي، فإنّ المعيار ينبغي أن يكون نصح الحاكم على انفراد، كما قال الرسول (ص): “من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلوا به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه”14.

ومع ذلك، يختلف علماء الأحناف في جواز النقد المفتوح للحاكم دون قصد الخروج عليه. من الواضح أنّ أنصار أمير المؤمنين يعتقدون أنه غير مسموح به لأنه يخلق الكراهية بين الجماهير وسيؤدي بهم في النهاية إلى الانتفاضة، على غرار الخوارج. وأمّا أمثال سراج الدين حقاني، فقد يتخذوا الرأي المعاكس، أي أنّ استنكار من في السلطة حلال لأنه من باب النصح للقيادات، على سبيل المثال، إذا كان لا يمكن القيام بذلك على انفراد. ومن المحتمل أيضًا أن تكون تصريحات حقاني أو ستانيكزاي موجّهة إلى الجهات الدولية الفاعلة لإظهار أن ليس كل طالبان يفكّرون مثل هبة الله أخون زاده. وهكذا، حتى في انتقاداتهم، يأتي ستانيكزاي أو حقاني من نموذج حنفي حيث أيّ تعليقات على قرارات الحاكم الشرعي تهدف عادةً إلى تقديم المشورة وليس التحريض على الكراهية.

في الختام، على الرغم من الاختلافات الداخلية الموجودة داخل كل مجموعة، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها عزل آخند زاده ستكون من وراء الكواليس. لذلك، من المشكوك فيه بشدة أن يكون ذلك من خلال نزاع مسلح. لأنّ مختلف فصائل طالبان تدرك أنّ الوحدة أمر حيوي في بيئة تنتظر زوالها. وحتى النقاد داخل طالبان لا يريدون إزالة أمير المؤمنين لأنّ قراراته، كما أشرنا إليه سابقًا، ليست “مثيرة للجدل” بما يكفي من وجهة نظر نظرية بحتة. ويجب علينا أيضًا أن ننظر في نية التأرجح بين المؤيدين المخلصين لأمير المؤمنين ومنتقديه. يجب أن يُنظر إلى التصريحات القاسية التي تدعو إلى معاقبة شديدة لمن ينتقدون سياسات الإمارة في صفوف طالبان على أنها مبالغ فيها وليست دعوة فعلية للقتل. من ناحية أخرى، فإنّ تعليقات مسؤولي طالبان مثل ستانيكزاي متجذّرة في النموذج الحنفي الذي لا يشكّل فيه النقد العلني دعوة للخروج على الحاكم.

الإحالات

  1. https://twitter.com/bsarwary/status/1625185936928567296 ↩︎
  2. https://twitter.com/paykhar/status/1625400530452246530 ↩︎
  3. https://twitter.com/TOLOnews/status/1660606591161229314?t=sH0Jwdd1yY4_JqIZ9h48xA&s=19 ↩︎
  4. https://www.ariananews.af/iea-officials-should-communicate-with-the-people-stanikzai/ ↩︎
  5. https://twitter.com/SadiqullahAfgha/status/1624764969014161410 ↩︎
  6. https://tolonews.com/afghanistan-182031 ↩︎
  7. https://twitter.com/bsarwary/status/1624787937979256834 ↩︎
  8. Abdul Hakim, Ishaqzai. Al-Imārah al-Islāmīyah wa niẓāmuhā. Kabul: Maktabah dār al-’Ulūm al-Šar’, 2021, pp.127-137. ↩︎
  9. Ibid. ↩︎
  10. Ibid. ↩︎
  11. Abbas, Hassan. The Return of the Taliban: Afghanistan after the Americans Left. New Haven: Yale University Press, 2023, p.150. ↩︎
  12. https://twitter.com/natiqmalikzada/status/1634931286627450880?t=gxX_hecbF1BsnLnjp41R6Q&s=19 ↩︎
  13. https://twitter.com/natiqmalikzada/status/1634931286627450880?t=gxX_hecbF1BsnLnjp41R6Q&s=19 ↩︎
  14. Ibn Abī ’Āṣim. Kitāb al-Sunnah. Beirut: al-Maktab al-Islāmi, 1980, p.522. ↩︎

Share this post